لا يقر على دينه فلا يؤمن كما يؤمن أهل الذمة، فالإيمان ههنا يراد به الذي هو ضد التخويف، فإن جعلته الذي هو ضد الكفر كان تكريرا، لأن قوله: أئمة الكفر يدل على أنه لا إيمان لهم، وقوله: لعلهم ينتهون قال ابن عباس: كي ينتهوا عن الشرك بالله، ثم حض المؤمنين على قتالهم، فقال: ﴿أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {١٣﴾ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴿١٤﴾ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿١٥﴾ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٦﴾ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿١٧﴾ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴿١٨﴾ } [التوبة: ١٣-١٨] ﴿أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ [التوبة: ١٣] وهذا يدل على أن قتال الناكثين أولى من قتال غيرهم من الكفار ليكون ذلك زجرا لغيرهم عن النكث، وأراد بنكث اليمين ههنا أنهم نقضوا عهد الصلح بالحديبية، وأعانوا بني بكر على خزاعة، وهم كانوا حلفاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ١٣] يعني: حين اجتمعوا في دار الندوة للمكر به ﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [التوبة: ١٣] يعني بالقتال يوم بدر، وذلك أنهم قالوا حين سلم العير: لا ننصرف حتى نستأصل محمدا ومن معه، وقال جماعة من المفسرين: أراد أنهم قاتلوا حلفاءك خزاعة، فبدأوا بنقض العهد، وقوله: أتخشونهم أي: أتخافون أن ينالكم من قتالهم مكروه فتتركون قتالهم، ﴿فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ﴾ [التوبة: ١٣] فمكروه عذاب الله أحق أن يخشى في ترك قتالهم، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٣] مصدقين بعقاب الله وثوابه، ثم وعدهم النصر بقوله: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [التوبة: ١٤] أي: بقتلهم بسيوفكم ورماحكم، ويخزهم يذلهم بالقهر والأسر ﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٤] قال ابن عباس، والسدي، ومجاهد: يعني: بني خزاعة، وذلك أن قريشا أعانت بني بكر عليهم حتى نكأوا فيهم، فشفى الله صدورهم من بني بكر بالنبي والمؤمنين، وذلك أن الصريخ أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة وأنشده:
إن قريشا أخلفوك الموعدا... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وبيتونا بالحطيم هجدا... وقتلونا ركعا وسجدا
فانصر هداك الله نصرا أعتدا... وادع عباد الله يأتوا مددا