نا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، نا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ غُطَيْفِ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: " يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ، قَالَ: فَطَرَحْتُهُ، ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ بَرَاءَةً فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١] قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، قَالَ: أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ "
وهذا بيان أن مخالف أمر الله في التحليل والتحريم كالمشرك في عبادة الله لأن استحلال ما حرم الله كفر بالإجماع.
وقوله: ﴿وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [التوبة: ٣١] قال ابن عباس: اتخذوه ربا.
وما أمروا في التوراة والإنجيل، ﴿إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [التوبة: ٣١]، وهو الذي ﴿لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣١] تنزيها له عن شركهم.
قوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [التوبة: ٣٢] قال ابن عباس: يخمدوا دين الله بتكذيبهم، يعني أنهم يكذبون به، ويعرضون عنه يريدون إبطاله بذلك.
﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ [التوبة: ٣٢] إلا أن يظهر دينه، أي: لا يفعل إلا ذلك، ولو كرهوا ذلك، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾ [التوبة: ٣٣] محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالهدى أي: بالقرآن، ودين الحق الحنيفية وهي الإسلام، ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣] ليعليه على جميع الأديان، وذلك عند نزول عيسى عليه السلام، وقال أهل المعاني: أي: بالحجة والغلبة.
وحجة هذا الدين أقوى الحجج، والغلبة لهذا الدين على سائر الأديان.
﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {٣٤﴾ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴿٣٥﴾ } [التوبة: ٣٤-٣٥] قوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ﴾ [التوبة: ٣٤] قال السدي: أما الأحبار فمن اليهود، وأما الرهبان فمن النصارى، وقوله: ﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ [التوبة: ٣٤] يعني: ما كانوا يأخذونه من الرشى