قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴿٩٢﴾ } [التوبة: ٩١-٩٢] قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ﴾ [التوبة: ٩١] يعني الزمني والمشايخ والعجزة، ﴿وَلا عَلَى الْمَرْضَى﴾ [التوبة: ٩١] جمع مريض، ﴿وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ﴾ [التوبة: ٩١] يعني المقلين، ﴿حَرَجٌ﴾ [التوبة: ٩١] ضيق في القعود عن الغزو، ﴿إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩١] إذا أخلصوا إيمانهم وأعمالهم من الغش والنفاق، ولم يغتنموا عذرهم بل يتمنون أن لم يكن لهم عذر، فيتمكنوا من الجهاد، وهم الذين أرادهم الله بقوله: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١] أي: طريق بالعقوبة لأنه قد سد بإحسانه طريق العذاب على نفسه، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٩١] لمن كان محسنا.
قوله: ﴿وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] هؤلاء نفر من قبائل شتى سألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحملهم على الخفاف والنعال ليغزوا، وقال ابن عباس: سألوه أن يحملهم على الدواب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا أجد ما أحملكم عليه».
لأن الشقة بعيدة والرجل يحتاج إلى بعيرين بعير يركبه، وبعير يحمل ماءه وزاده، فانصرفوا وهم يبكون، وهو قوله: ﴿تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ [التوبة: ٩٢] أي: جرت أعينهم عن امتلاء من حزن في قلوبهم لعدم النفقة.
﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {٩١﴾ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴿٩٢﴾ } [التوبة: ٩١-٩٢] قوله: إِنَّمَا السَّبِيلُ بالعقوبة، ﴿عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ [التوبة: ٩٣] في التخلف، وَهُمْ أَغْنِيَاءُ موسرون، وباقي الآية فسرناه آنفا، قوله: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ بالأباطيل، ﴿إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٩٤] من غزوة تبوك، ﴿قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ﴾ [التوبة: ٩٤] لن نصدقكم، ﴿قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾ [التوبة: ٩٤] أخبرنا الله بسرائركم وما تخفي صدوركم، ﴿وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٩٤] فيما تستأنفون من النفاق تبتم أم أقمتم عليه، ثُمَّ تُرَدُّونَ للجزاء، ﴿إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [التوبة: ٩٤] إلى من يعلم ما غاب عنا من ضمائركم، ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩٤] فيخبركم بما كنتم تكتمون من النفاق.
قوله: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ﴾ [التوبة: ٩٥] رجعتم، إِلَيْهِمْ أي: أنهم ما قدروا على الخروج لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ لتصفحوا عنهم، وتتركوا لومهم، فقال الله تعالى: فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ اتركوا كلامهم وسلامهم، إِنَّهُمْ رِجْسٌ إن عملهم قبيح من عمل الشيطان، يَحْلِفُونَ لَكُمْ يعني المنافقين، لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ وذلك أن عبد الله بن أبيّ حلف ألا يتخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطلب أن يرضى عنه، وحلف


الصفحة التالية
Icon