مكرهم في آياته بعقاب ذلك اليوم، فكان أسرع في إهلاكهم من كيدهم في إهلاك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإبطال آياته، ثم أوعدهم بالجزاء في الآخرة بقوله: ﴿إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ [يونس: ٢١] يعني: بالرسل الحفظة.
قوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ﴾ [يونس: ٢٢] على الدواب، وَفي الْبَحْرِ على السفن، يقال: سيرته من مكان إلى مكان.
أي: شخصته وقرأ ابن عامر: ينشركم من النشر بعد الطي، وحجته قوله: ﴿فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠]، وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ [يونس: ٢٢] يعني السفن، وَجَرَيْنَ بِهِمْ عاد بعد المخاطبة إلى الإخبار عنهم، وقوله: بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ أي: رخاء لينة، وَفَرِحُوا بِهَا بتلك الريح للينها واستوائها، جَاءَتْهَا جاءت الفلك، رِيحٌ عَاصِفٌ، شديد الهبوب وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ وهو ما ارتفع من الماء، ﴿مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ [يونس: ٢٢] من البحر، وَظَنُّوا أيقنوا ﴿أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢] دنوا من الهلاك ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢] قال ابن عباس: تركوا الشرك وأخلصوا لله الربوبية، وقالوا: ﴿لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ﴾ [يونس: ٢٢] الريح العاصف، ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [يونس: ٢٢] الموحدين الطائعين.
﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [يونس: ٢٣] يعملون فيها بالفساد والمعاصي والجرأة على الله، يَأَيُّهَا النَّاسُ يعني: أهل مكة، ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٢٣] أي: بغي بعضكم على بعض، وما تنالونه، إنما تتمتعون به في الحياة الدنيا، فهو متاع في الدنيا، ومن نصب فعلى المصدر، والمعنى: تتمتعون متاع الحياة الدنيا، ويدل انتصاب المصدر على المحذوف، ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ﴾ [يونس: ٢٣] في الآخرة، ﴿فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٢٣] نخبركم في الآخرة بأعمالكم لأنا أثبتناها عليكم.
﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {٢٤﴾ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٢٥﴾ } [يونس: ٢٤-٢٥] قوله: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٢٤] ضرب الله تعالى مثلا للحياة في هذه الدار الفانية، فشبهها بمطر، وهو قوله: ﴿كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ﴾ [يونس: ٢٤] يعني: التف وكثر وتداخل بذلك الماء من كل نوع من المرعى والكلأ والبقول والحبوب والثمار، وهو قوله: ﴿مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا﴾ [يونس: ٢٤] قال ابن عباس: زينتها وحسنها وخصبها.
يعني: حسن ألوان الزهر الذي يروق البصر، قال الزجاج: الزخرف كمال حسن الشيء.
وهو قوله: وَازَّيَّنَتْ أي: تزينت، وَظَنَّ أَهْلُهَا أي: أهل تلك الأرض، ﴿أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ [يونس: ٢٤] أي: على نباتها الذي أنبتته، قال ابن عباس: على حصادها وجذاذها وقطعها.
﴿أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا﴾ [يونس: ٢٤] قال ابن عباس: عذابنا.
والمعنى: أمرنا بهلاكها، فَجَعَلْنَاهَا