ولم يتدبروا ما قلت، ولم يتفكروا.
ومن قرأ: بادئ بالهمز فالمعنى: أنهم اتبعوك ابتداء الرأي، أي: حين ابتدأوا ينظرون وإذا فكروا لم يتبعوك ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾ [هود: ٢٧] قال ابن عباس: يريدون التكذيب له ولما جاء به من النبوة وهل الفضل كله إلا في النبوة.
﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: ٢٧] ليس ما جئت به من الله، وجمعت بالكاف، لأنهم ذهبوا إلى مخاطبة نوح وأصحابه.
﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ [هود: ٢٨] قال ابن عباس: على يقين وبصيرة ومعرفة من ربوبية ربي وعظمته ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾ [هود: ٢٨] يعني النبوة، ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [هود: ٢٨] فخفيت عليكم نبوتي لأن الله سلبكم علمها ومنعكم معرفتها لعنادكم الحق، وقرأ أهل الكوفة: فعُمّيت مشددة مضمومة العين، قال ابن الأنباري: معناه: فعماها الله عليكم إذ كنتم ممن حكم عليه بالشقاء.
أَنُلْزِمُكُمُوهَا أنلزمكم قبولها؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، يقول: لا نقدر أن نلزمكم من ذات أنفسنا ما أنتم له كارهون.
قال قتادة: والله لو استطاع نبي الله لألزمها قومه، ولكنه لم يملك ذلك.
﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ [هود: ٢٩] على تبليغ الرسالة ﴿مَالا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [هود: ٢٩] قال ابن جريج: إنهم سألوه طرد الذين آمنوا ليؤمنوا به أنفة من أن يكونوا معهم على السواء، فقال نوح: لا يجوز لي طردهم إذ كانوا يلقون الله فيجزيهم بإيمانهم، ويأخذ لهم ممن ظلمهم، وصغر شئونهم.
وهو قوله: ﴿إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [هود: ٢٩] قال ابن عباس: تجهلون ربوبية ربكم وعظمته.
﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ﴾ [هود: ٣٠] من يمنعني من عذاب الله إن طردت المؤمنين؟ والمعنى: إن طردتهم كان ذنبا ارتكبته، فمن يدفع عني عذاب الله.
قوله: ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [هود: ٣١] لما قالوا لنوح: إن هؤلاء الذين آمنوا بك إنما اتبعوك في ظاهر ما نرى منهم.
قال نوح مجيبا لهم: ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [هود: ٣١] غيوب الله التي يعلم منها ما يضمر الناس ﴿وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ [هود: ٣١] فأعلم ما يسترونه في نفوسهم، أي: فسبيلي قبول إيمانهم الذي ظهر لي، ومضمراتهم لا يعلمها إلا الله ﴿وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [هود: ٣١] هذا جواب لقولهم ﴿مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ [هود: ٢٧]، ﴿وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ﴾ [هود: ٣١] قال ابن عباس: تحتقر وتستصغر.
يعني المؤمنين، يقال: ازدراه.
إذا احتقره، وذلك أنهم قالوا: هم أراذلنا، فقال نوح: لا أقول إن الله لن يؤتيهم خيرا إذ ليس علي أن أطلع على ما في نفوسهم ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [هود: ٣١] مني ﴿إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٣١] إن طردتهم تكذيبا لظاهر إيمانهم، ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا﴾ [هود: ٣٢] خاصمتنا في الدين ﴿فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [هود: ٣٢] من العذاب ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [هود: ٣٢] في وعد العذاب، ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ﴾ [هود: ٣٣] بالعذاب ﴿اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [هود: ٣٣] لا تعجزون الله ولا تفوتونه إن أراد أن ينزل بكم العذاب، ﴿وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: ٣٤] قال ابن عباس في رواية عطاء: يضلكم.
والمعنى: يوقع الغي في قلوبكم لما سبق لكم من الشقاء، قال ابن الأنباري: وقال بعضهم: يهلككم.
وليس هذا من كلام العرب إذ المعروف عندهم: أغويت فلانا.
إذا


الصفحة التالية
Icon