أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ٣] قال الزجاج: نبين لك أحسن البيان.
﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [يوسف: ٣] أي: بوحينا إليك ﴿هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ [يوسف: ٣] القرآن لَمِنَ الْغَافِلِينَ أي: لمن الغافلين عما أوحينا إليك من أخبار الأنبياء، ثم ذكر قصة يوسف فقال: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ {٤﴾ قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴿٥﴾ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٦﴾ } [يوسف: ٤-٦] ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ﴾ [يوسف: ٤] قال الفراء: التاء في يا أبت هاء، وأصل دخولها للسكت وهو قولهم: يا أباه.
ثم سقطت الألف لدلالة فتحة الباء عليها، وانصرفت الهاء إلى لفظ التاء لكثرة الاستعمال، تشبيها بتاء التأنيث، وكسرت تقديرا أن بعدها ياء الإضافة، ولم تستعمل في غير النداء، لأن هاء السكت مع الألف لا يدخلان إلا في النداء، والاختيار كسر التاء في هذه القراءة لأنها أجريت مجرى تاء التأنيث وكسرت على الإضافة إلى نفس المتكلم على معنى: يا أبتي، ثم حذفت الياء لأن ياء الإضافة تحذف في النداء، ومن فتح التاء أبدل الياء بالألف فقال: يا أبتا ثم حذف الألف وأبقى الفتحة دالة عليها كقول الأعشى:
ويا أبتا لا تزل عندنا | فإنا نخاف بأن تخترم |
يا أبتا علك أو عساكا
وقوله: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ [يوسف: ٤] قال المفسرون: رأى يوسف عليه السلام وهو ابن اثنتي عشرة سنة أن أحد عشر كوكبا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ سجدن له، فكانت الكواكب في التأويل إخوته، والشمس أمه والقمر أباه، فلما قصها على يعقوب أشفق عليه من حسد إخوته له فقال له: ﴿يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ [يوسف: ٥]، وذلك أن يوسف عليه السلام كان نبيا في علم الله مذ كان، ورؤيا الأنبياء وحي، وعلم يعقوب أن إخوة يوسف يعرفون تأويلها ويخافون علو يوسف عليهم فيعملون عملا يكون فيه هلاكه، وهو قوله: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ [يوسف: ٥] أي: فيحتالوا في هلاكك ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يوسف: ٥] ظاهر العداوة، يزين له الباطل.
قوله: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ [يوسف: ٦] قال الزجاج، وابن الأنباري: ومثل ما رأيت من الرفعة والحال الجليلة، يختارك ربك ويصطفيك من بين إخوتك.
{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ