الأَحَادِيثِ} [يوسف: ٦] قال ابن عباس، وقتادة، ومجاهد: يريد والتأويل تعبير الأحلام، والتأويل: ما يئول إليه المعنى في الرؤية، والأحاديث هي أحاديث الناس عما يرونه في منامهم.
﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ [يوسف: ٦] بالنبوة ﴿وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ﴾ [يوسف: ٦] يعني: المختصين بالنبوة منهم كَمَا أَتَمَّهَا بالنبوة عَلَى أَبَوَيْكَ قال قتادة: كل ذلك فعل الله به، اجتباه واصطفاه وعلمه من تأويل الأحاديث، فكان أعبر الناس للرؤيا وأتم النعمة عليه.
﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٦] حيث يضع النبوة حَكِيمٌ في خلقه، قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ {٧﴾ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴿٨﴾ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴿٩﴾ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴿١٠﴾ } [يوسف: ٧-١٠] ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ﴾ [يوسف: ٧] أي: في خبر يوسف وقصة إخوته آيَاتٌ عبر وعجائب، وقرأ ابن كثير: آية كأنه جعل شأنهم كلهم آية لِلسَّائِلِينَ، سألت اليهود رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قصة يوسف فأخبرهم بها كما في التوراة، فعجبوا من ذلك، وكان في ذلك أعجب دلالة للسائلين على صدق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه شرح أخبار قوم لم يشاهدهم، ولم ينظر في الكتب لأنه كان أميا.
قوله: إِذْ قَالُوا يعني: إخوة يوسف، قالوا فيما بينهم لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ بنيامين وكان أخاه لأمه، والباقون كانوا إخوته لأبيه دون أمه، ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾ [يوسف: ٨] أي: إنه أشد لهما حبا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ قال الفراء: العصبة: العشرة فما زاد، والمعنى: نحن جماعة رجال ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [يوسف: ٨] قال ابن الأنباري: ضل بإيثارهما علينا ضلال خطأ يلحقه ضرره في دنياه، إذ كنا أنفع له في القيام بمواشيه من يوسف وأخيه.
وقال أهل المعاني: إن أبانا في ذهاب عن طريق الثواب الذي فيه التعديل بيننا في المحبة.
ثم قالوا أيضا فيما بينهم ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا﴾ [يوسف: ٩] في أرض يبعد فيها عن أبيه ﴿يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ﴾ [يوسف: ٩] يقبل بكليته عليكم ويخلص لكم عن شغله بيوسف، يعنون: أن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه، فإذا فقده أقبل علينا بالمحبة، وأخطأوا في هذا التدبير لأنه لما فقد يوسف أعرض عنهم بالكلية، قال الله تعالى: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: ٨٤]، وقوله: ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾ [يوسف: ٩] قال ابن عباس: تحدثوا توبة بعد ذلك يقبلها الله منكم.
وهذا قول عامة المفسرين، والمعنى: قوما صالحين بإحداث التوبة، عزموا على التوبة قبل إحداث الجناية، وكذا المؤمن لا ينسى التوبة وإن كان مرتكبا للذنوب، ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾ [يوسف: ١٠] يعني من إخوة يوسف، وهو يهوذا أكبر ولد يعقوب وأعقلهم ﴿لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ﴾ [يوسف: ١٠] وقال قتادة: هو روبيل نهى عن قتله فقال: ﴿وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ [يوسف: ١٠] الغيابة: كل ما غيب شيئا وستره، والغيابة: حفرة القبر لأنها