أحمد بن يحيى: همت المرأة بالمعصية مصرة على ذلك وهم يوسف بالمعصية ولم يأتها ولم يصر عليها، فبين الهمين فرق، وشرحه ابن الأنباري، فقال: همت المرأة عازمة على الزنا، ويوسف عارضه ما يعارض البشر من خطرات القلب وحديث النفس فلم يلزمه هذا الهم ذنبا، إذ الرجل الصالح يخطر بقلبه وهو صائم شرب الماء البارد، فإذا لم يشرب كان غير مؤاخذ بما هجس في نفسه.
قال الزجاج: والذي عليه المفسرون أنه هم بها وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته إلا أن الله تفضل بأن أراه البرهان، ألا ترى أنه قال: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ [يوسف: ٥٣] الآية، وقال ابن الأنباري: والذي نذهب إليه في هذه الآية ما يروى عن الصحابة والتابعين من إثبات الهم ليوسف غير عائبين له، بل نقول: إن انصرافه بعد إثبات الهم ونهيه نفسه عن هواها تعظيما لله ومعرفة بحقه أدل على وفور الثواب وتكامل الأجر.
والذين أثبتوا الهم ليوسف من علي، وابن عباس، ووهب، وابن سيرين، وغيرهم كانوا أعرف بحقوق الأنبياء وارتفاع منازلهم عند الله من الذين نفوا الهم عنه، وقد قال الحسن: إن الله لم يقصص عليكم ذنوب الأنبياء تعييرا لهم، ولكنه قصها عليكم لئلا تقنطوا من رحمته.
وقال أبو عبيد: يذهب الحسن إلى أن الحجة من الله على أنبيائه أوكد، وهي لهم ألزم، فإذا كان يقبل التوبة منهم فهي إلى قبولها منكم أسرع.
وقوله: ﴿لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٢٤] قال ابن عباس، وعامة المفسرين: مثل له يعقوب فرأى صورته عاضا على إصبعيه يقول: أتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فاستحيا منه.
قال الحسن: مثل له جبريل في صورة يعقوب.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قال: مثل له يعقوب فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله.
وقال السدي: رأى يعقوب قائما في البيت يقول: يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إن واقعتها مثله إذا مات فوقع بالأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثلك إذا لم تواقعها كمثل الثور الصعب الذي لم يعمل عليه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت، فيدخل النمل في أصل قرنيه فلا يستطيع أن يدفع عن نفسه.
٤٧٠ - أَخْبَرَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ السُّكَّرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ، نا عَمْرُو بْنُ الْبَصْرِيِّ، نا أَبُو الْهَيْثَمِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ، نا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٢٤] قَالَ: قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا بِكَفٍّ قَدْ بَدَتْ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِيهَا عَضُدٌ وَلا مِعْصَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ {١٠﴾ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴿١١﴾ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴿١٢﴾ } [الانفطار: ١٠-١٢]، فَقَامَ هَارِبًا، وَقَامَتْ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَتْ وَعَادَ، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا بِكَفٍّ قَدْ بَدَتْ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِيهَا عَضُدٌ وَلا مِعْصَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ [الإسراء: ٣٢]، فَقَامَ هَارِبًا وَقَامَتْ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرُّعْبُ عَادَتْ وَعَادَ، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا بِكَفٍّ قَدْ بَدَتْ فِيمَا بَيْنَهُمَا، لَيْسَ فِيهَا عَضُدٌ وَلا مِعْصَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١] الآيَةَ فَقَامَ هَارِبًا وَقَامَتْ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمَا الرَّوْعُ عَادَ وَعَادَتْ،