فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِجِبْرِيلَ: أَدْرِكْ عَبْدِي قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الْخَطِيئَةَ فَانْحَطَّ جِبْرِيلُ عَاضًّا عَلَى إِصْبَعَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا يُوسُفُ أَتَعْمَلُ عَمَلَ السُّفَهَاءِ وَأَنْتَ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الأَنْبِيَاءِ
فذلك قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤] قال الزجاج: السوء: خيانة صاحبه، والفحشاء: ركوب الفاحشة.
والمخلصين: الذين اخلصوا دينهم لله، فمن فتح اللام أراد الذين أخلصهم الله من الأسواء، قوله: وَاسْتَبَقَا الْبَابَ أي: تبادرا إلى الباب يجتهد كل واحد أن يسبق صاحبه فإن سبق يوسف المرأة فتح الباب وخرج، وإن سبقت المرأة أمسكت الباب لئلا يخرج فلم تصل إلا إلى دبر قميصه فقدته، وذلك قوله: ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ﴾ [يوسف: ٢٥] أي: قطعته من خلف وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا وجدا وصادفا زوجها عند الباب، فحضرها في ذلك الوقت كيد، فقالت سابقة بالقول ومبرئة نفسها من الأمر وملزمة يوسف بالذنب: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ [يوسف: ٢٥] قال ابن عباس: يريد الزنا.
﴿إِلا أَنْ يُسْجَنَ﴾ [يوسف: ٢٥] يحبس في السجن ﴿أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٥] يعني: الضرب بالسياط فلما سبقت هي بطرح الجرم على يوسف غضب يوسف وقال: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [يوسف: ٢٦] أي: أعلم معلم وأبين مبين وكان رجلا حكيما من أقارب المرأة، قال الكلبي: كان ابن عمها وكان رجلا حكيما وكان مع زوجها، فقال: قد سمعنا الاشتداد والجلبة من وراء الباب وشق القميص، فلا ندري أيكما كان قدام صاحبه، فإن كان شق القميص من قدامه كانت المرأة صادقة، وإن كان من خلفه فهو صادق.
وقوله: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾ [يوسف: ٢٦] إلى ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ﴾ [يوسف: ٢٨] من حكم الشاهد وبيانه عما يوجب الاستدلال به على تمييز الكاذب من الصادق، وقوله: فلما رأى أي: زوج المرأة قميص يوسف ﴿قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾ [يوسف: ٢٨] أي: إن قولك: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا من كيدكن ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٨]، ثم قال ليوسف يُوسُفُ أي: يا يوسف ﴿أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ [هود: ٧٦] أي: اترك هذا الأمر ولا تذكره وَاسْتَغْفِرِي أنت لِذَنْبِكِ قال لامرأته: توبي أنت من ذنبك ﴿إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ [يوسف: ٢٩] إنك قد أثمت بمراودتك شابا عن نفسه وإرادته على الزنا، ثم شاع ما جرى بينهما وانتشر في مدينة مصر حتى تحدثت بذلك النساء وخضن فيه، وهو قوله: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ {٣٠﴾ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴿٣١﴾ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴿٣٢﴾ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٣٣﴾ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٣٤﴾ } [يوسف: ٣٠-٣٤] {