أن رجلا أنفق مثل هذا فِي طاعة الله، لم يكن من المسرفين، ولو أنفق درهما واحد فِي معصية الله كان من المسرفين.
﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ﴾ [الإسراء: ٢٧] المنفقين فِي غير طاعة الله، ﴿كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: ٢٧] لأنهم يوافقونهم فيما يدعونهم إليه، وهو كل من أجاب الشيطان إلى ما سول له، فهو من إخوان الشياطين، ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: ٢٧] قال ابن عباس: جاحدا لأنعمه.
وهذا يتضمن أن المنفق فِي السرف كفور لربه فيما أنعم عليه.
قوله: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ﴾ [الإسراء: ٢٨] عن هؤلاء الذين أوصيناك بهم من ذوي القربى والمساكين وابن السبيل، ﴿ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الإسراء: ٢٨] انتظار رزق يأتيك من الله، والمعنى أن تعرض عن السائل إضافة وإعسارا، ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا﴾ [الإسراء: ٢٨] أي: عدهم عدة حسنة، قاله الفراء، ومجاهد، والكلبي.
وقال ابن زيد: قولا جميلا، رزقك الله بارك الله فيك.
ويروى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سئل، وليس عنده ما يعطي، أمسك، انتظار الرزق يأتي الله به، ويكره الرد، فلما نزلت هذه الآية، كان إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال: «يرزقنا الله وإياكم من فضله».
ومعنى الميسور اللين والسهل.
قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا {٢٩﴾ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿٣٠﴾ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا ﴿٣١﴾ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ﴿٣٢﴾ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴿٣٣﴾ } [الإسراء: ٢٩-٣٣] ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ [الإسراء: ٢٩] الآية، روى أبو حفص، عن عبد الله بن مسعود، قال: جاء غلام إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إن أمي تسألك كذا.
فقال: «ما عندنا اليوم شيء».
قال: فيقول لك اكسني قميصا.
قال: فخلع قميصه ودفعه إليه وجلس فِي البيت ".
فأنزل الله هذه الآية.
والمعنى: لا تمسك يدك عن البذل كل الإمساك حتى كأنها مقبوضه إلى عنقك لا تبسط الخير، ﴿وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسراء: ٢٩] قال ابن عباس: أي فِي النفقة والعطية، كأنه نهي عن بذل جميع ما عنده حتى لا يبقى له شيء.
وقال مجاهد: