النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون، وكبر عليهم.
والمعنى: انصرفوا هاربين عنك كراهية لما يسمعونه من توحيد الله.
قوله: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ﴾ [الإسراء: ٤٧] قال المفسرون: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين، ففعل ذلك عليٌّ، ودخل عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إلى التوحيد، فكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم متناجين: هو ساحر، وهو مسحور.
فأخبر الله نبيه بذلك، وأنزل عليه ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ﴾ [الإسراء: ٤٧] أي يستمعونه، والباء زائدة، أخبر الله أنه عالم بتلك الحالة، وبذلك الذي كانوا يستمعونه، إذ يستمعون إلى الرسول، ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى﴾ [الإسراء: ٤٧] قال ابن عباس: يتناجون فيما بينهم بالتكذيب والاستهزاء، ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾ [الإسراء: ٤٧] يعني أولئك المشركون، إن تتبعون ما تتبعون، ﴿إِلا رَجُلا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ٤٧] مخدوعا، والمسحور الذي قد سحر فاختلط عليه أمره، قال ابن الأعرابي: المسحور الذاهب العقل، المفسد أمره.
و ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ﴾ [الإسراء: ٤٨] بينوا لك الأشياء حين شبهوك بالكاهن، والساحر، والشاعر، والمعلم، والمجنون، فضلوا عن الحق ﴿فَلا يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلا﴾ [الإسراء: ٤٨] مخرجا عن الضلال إلى الهدى.
ثم ذكر إنكارهم البعث بقوله: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا﴾ [الإسراء: ٤٩] قال الفراء: الرفات التراب لا واحد له، وهو مثل الرقاق، والحطام.
والرفت كسر الشيء بيدك، مثل المدر والعظم البالي، وما كسر فهو رفات، مثل الفتات، قال ابن عباس رضي الله عنه: أي إذا ذهب اللحم والعروق، وبقيت عظام قد بليت، فإذا مسكته بين أصبعيك انسحق، فهو رفات.
﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ [الإسراء: ٤٩] أي: أنبعث إذا صرنا ترابا؟ وهذا استفهام إنكار وتعجب، قال الله تعالى: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا﴾ [الإسراء: ٥٠] قال الزجاج: إنهم كانوا يقرون أن الله خالقهم، وينكرون أنه يعيدهم.
فقيل لهم استشعروا أنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] الأكثرون قالوا: يعني الموت، وليس أكبر فِي صدور بني آدم من الموت، يقول: لو كنتم الموت، لأماتكم الله، ثم أحياكم، لأن القدرة التي بها أنشأكم، بها يعيدكم، هذا معنى قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء: ٥١] وقال مجاهد: ما شئتم فكونوا حجارة، أو حديدا، أو سماء، أو أرضا، أو جبلا سيعيدكم الله كما كنتم، وقوله: فسينغضون يقال: أنغض رأسه ينغضه إنغاضا إذا حركه.
والمعنى: يحركون رءوسهم تكذيبا لهذا القول واستبعادا له، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ﴾ [الإسراء: ٥١] أي البعث والإعادة، ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ [الإسراء: ٥١] يعني هو قريب، وعسى من الله واجب.
ثم ذكر أنه متى يكون، فقال: يوم يدعوكم أي: بالنداء الذي يسمعكم، وهو النفخة الأخيرة كما قال: ﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [ق: ٤١].


الصفحة التالية
Icon