جَهَنَّمَ، ثُمَّ يَدْعُونَ بَشَرًا كَثِيرًا بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ آلِهَتِهِمْ، مِنْهَا الْحِجَارَةُ، وَمِنْهَا الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، فَيُقَالُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ إِلَهًا، فَلْيَتَّبِعْهُ، تَقَدَّمُهُمْ آلِهَتُهُمْ، ثُمَّ يَبْقَى الْمُسْلِمُونَ، فَيَقِفُ بِهِمْ رَبُّهُمْ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: مَا أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، فَيَقُولُ: خَيْرُ اسْمٍ، وَخَيْرُ دَاعِيَةٍ، فَيَقُولُ: مَنْ نَبِيِّكُمْ؟ قَالُوا: نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: مَا كِتَابُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: الْقُرْآنُ، فَيَقُولُ: مَا تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: نَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُونَهُ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَتَجَلَّى الرَّبُّ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، جَلَّ جَلالُكَ، ثُمَّ يَمْضِي النُّورِ بِأَهْلِهِ "
وقوله: ﴿وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ [الإسراء: ٧١] أي: لا ينقصون من ثوابهم بمقدار فتيل، وهو القشرة التي فِي شق النواة، ويضرب مثلا للشيء الحقير.
قوله: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ﴾ [الإسراء: ٧٢] يعني فِي الدنيا، أعمى عما يرى من قدرة الله تعالى فِي خلق السموات والأرض، والبحار والجبال، ﴿فَهُوَ فِي الآخِرَةِ﴾ [الإسراء: ٧٢] أي: فِي أمرها مما لم يعاينه، ﴿أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] أشد عمى، وكلاهما من عمى القلب لا من عمى العين، قال قتادة: من عاين الشمس والقمر، فلم يؤمن، فهو أعمى عما يغيب عنه، أن يؤمن به هذا الذي ذكرنا قول عامة المفسرين.
وقال الحسن: من كان فِي الدنيا ضالا كافرا، فهو فِي الآخرة أعمى وأضل سبيلا، لأنه فِي الدنيا تقبل توبته، وفي الآخرة لا تقبل توبته.
اختار أبو إسحاق الزجاج هذا القول، فقال: تأويله إنه إذا عمي فِي الدنيا، وقد عرفه الله الهدى، وجعل له إلى التوبة وصلة، فعمي عن رشده، ولم يتب، فهو فِي الآخرة أعمى، أي: أشد عمى وأضل سبيلا، لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية.
واختاره أبو علي الفارسي أيضا، فقال: معنى قوله: ﴿فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] أي: أشد عمى فِي الدنيا، كان ممكنا من الخروج عن عماه بالاستدلال، ولا سبيل له فِي الآخرة إلى الخروج من عماه، لأنه قد حصل على عمله.
وكذلك قوله: وأضل سبيلا لأن ضلاله فِي الآخرة لا سبيل له إلى الخروج منه، وقرأ أبو عمرو فِي هذه أعمِي بكسر الميم، ﴿فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] بفتح الميم، أراد أن يفرق بين ما هو اسم، وبين ما هو أفعل منه، فغاير بينهما بالإمالة، وتركها لأن معنى قوله: ﴿فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] أي: أعمى منه فِي الدنيا، ومعنى العمى فِي الآخرة أنه لا يهتدي إلى طريق الثواب.
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا {٧٣﴾ وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا ﴿٧٤﴾ إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴿٧٥﴾ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا ﴿٧٦﴾ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا ﴿٧٧﴾ } [الإسراء: ٧٣-٧٧] قوله: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ [الإسراء: ٧٣] أي: هموا وقاربوا أن يزيلوك ويصرفوك، ﴿عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٧٣] يعني القرآن، والمعنى عن حكمه نزلت الآية فِي وفد ثقيف، أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: متعنا باللات سنة، وحرم وادينا كما حرمت مكة، فإنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فإن كرهت ما نقول، وخشيت أن تقول العرب: أعطيتهم ما لم تعط غيرهم، فقل: الله أمرني بذلك.
فأمسك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم، وداخلهم الطمع، وقد هم أن يعطيهم ذلك، فأنزل الله


الصفحة التالية
Icon