الله، لم ينكروا، ويصيروا كأنهم قالوا ذلك، ثم ألزمهم الحجة، فقال: ﴿قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [الرعد: ١٦] قال ابن عباس: توليتم غير رب السماء والأرض أصناما.
لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فكيف لغيرهم؟ ثم ضرب مثلا للذي يعبد الأصنام، وللذي يعبد الله، فقال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ [الرعد: ١٦] يعني المشرك والمؤمن، ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ [الرعد: ١٦] يعني الشرك والإيمان، وقوله: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ﴾ [الرعد: ١٦] قال ابن الأنباري: معناه أجعلوا لله شركاء خلقوا مثل ما خلق الله فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم؟ وهذا استفهام إنكار، أي: ليس الأمر على هذا حتى يشتبه الأمر، بل إذا فكروا بعقولهم وجدوا الله هو المنفرد بالخلق، وسائر الشركاء لا يخلقون خلقا يتشابه بخلق الله، وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: ١٦] قال الزجاج: قل ذلك وبينه بما أخبرت به من الدلالة في هذه ال ﴿ [مما يدل على أنه خالق كل شيء.
والمعنى: أنه خالق كل شيء مما يصح أن يكن مخلوقا، ألا ترى أنه هو شيء وهو غير مخلوق؟ قوله:] أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾
[سورة الرعد: ١٧] قال عطاء، عن ابن عباس: يريد قرآنا، وهو مَثَلٌ ضربه الله تعالى.
﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ [الرعد: ١٧] أودية جمع واد، وهو كل منفرج بين جبلين، يجتمع إليه ماء المطر فيسيل، والقدر والقدر مبلغ الشيء.
والمعنى: بقدرها من الماء، فإن صغر الوادي قل الماء، وإن اتسع كثر، قال ابن الأنباري: شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر إذ نفع نزول القرآن يعم، كعموم نفع نزول المطر، وشبه الأودية بالقلوب، إذ الأودية يستكن فيها الماء كما يستكن الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، وقوله ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا﴾ [الرعد: ١٧] طافيا عاليا فوق الماء، قال ابن عباس: هو الشك والكفر.
ثم ضرب مثلا آخر، فقال: ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ﴾ [الرعد: ١٧] يعني: ما يذاب من الجواهر فيدخل النار ويوقد عليها، ﴿ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ﴾ [الرعد: ١٧] يعني: الذهب والفضة، أو متاع يعني: الحديد والصفر والنحاس والرصاص، تتخذ منها الأواني والأشياء التي ينتفع بها، وقوله: زبد مثله أي: زبد مثل زبد الماء الذي يحمله السيل، كَذَلِكَ كما ذكر من هذه الأشياء، يضرب الله مثل، ﴿الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ [الرعد: ١٧] والجفاء ما جافاه الوادي، أي: رمى به، قال الفراء: الجفاء الرمي، يقال: جفا الوادي غثاء جفاء إذا رماه، والجفاء بمنزلة الغثاء.
وهذان مثلان ضربهما الله للحق والباطل، يقول: الباطل، وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله، كالزبد الذي يعلو الماء فيلقيه الماء ويضمحل، وكخبث هذه الجواهر يقذفه الكير، وهذا مثل الباطل، وأما الماء الذي ينفع الناس وينبت المرعى فيمكث في الأرض، وكذلك الصفو من الجواهر يبقى خالصا لا شوب فيه، وهو مثل الحق.
قال الزجاج: فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان، كمثل هذا الماء المستنفع به من نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر،


الصفحة التالية
Icon