الأَعْمَشِ
وقال ابن عباس فِي رواية عطاء: قالت اليهود لقريش: سلوا محمدا عن ثلاث، فإن أخبركم باثنين وأمسك عن الثالثة فهو نبي: سلوه عن فتيه فقدوا، وسلوه عن ذي القرنين، وسلوه عن الروح.
فسألوه عنها، ففسر لهم أمر الفتية فِي ﴿ [الكهف وفسر لهم قصة ذي القرنين، وأمسك عن قصة الروح، وذلك أنه ليس فِي التوراة قصته ولا تفسيره إلا ذكر اسم الروح، وأنزل قوله:] وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [سورة الإسراء: ٨٥].
واختلف العلماء فِي ماهية الروح، فقال قوم: إن الروح هو الدم، ألا ترى أن من نزف دمه مات؟ والميت لا يفقد من جسمه إلا الدم.
وزعمت طائفة أن الروح هو استنشاق الهواء، ألا ترى أن المخنوق ومن منع من نسيم الهواء يموت.
وقال عامة المعتزلة، والنجارية: الروح عرض.
إلا ابن الراوندي، فإنه قال: الروح جسم لطيف أسكن البدن.
وقال بعض الحكماء: إن الله تعالى خلق الأرواح من ستة أشياء: من جوهر النور، والطيب، والبقاء، والحياة، والعلم، والعلو ألا ترى أنه ما دام فِي الجسم كان الجسد نورانيا، تبصر العينان، وتسمع الأذنان، ويكون طيبا، فإذا خرج أنتن الجسد ويكون باقيا، فإذا زايله الروح صار فانيا، ويكون حيا وبخروجه يصير ميتا، ويكون عالما فإذا خرج منه الروح لم يعلم شيئا، ويكون الجسد علويا لطيفا ما دام فِيهِ الروح، فإذا خرج صار سفليا كثيفا، والاختيار من هذه الأقوال أنه جسم لطيف توجد به الحياة، يدل على هذا قوله تعالى فِي صفة الشهداء: ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {١٦٩﴾ فَرِحِينَ} [آل عمران: ١٦٩-١٧٠] والارتزاق والفرح من صفات الأجسام، والمراد بهذا أرواحهم، لأن أجسامهم بليت فِي التراب، وكذلك ما روي أن أرواح الشهداء تعلق من شجر الجنة، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، وهذا الفعل لا يتأتى من العرض.
٥٥٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَضْلِ، أنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ، أنا أُبَيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ طُفَيْلٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي طُفَيْلُ بْنُ زَيْدٍ، نا أَبُو عُمَيْرٍ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَعَّابُ، نا نُعَيْمُ بْنُ عَمْرٍو، نا سُلَيْمَانُ بْنُ رَافِعٍ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الإِنْسَانِ؛ مَاتَ الْجَسَدُ، وَصَارَ الرُّوحُ صُورَةً أُخْرَى، فَلا يُطِيقُ الْكَلامَ؛ لأَنَّ الْجَسَدَ جِرْمٌ، وَالرُّوحُ يُصَوِّتُ مِنْ جَوْفِهِ وَيَتَكَلَّمُ، فَإِذَا فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ؛ صَارَ الْجَسَدُ صُفْرًا، وَصَارَ الرُّوحُ صُورَةً أُخْرَى، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ، يَبْكُونَهُ، وَيُغَسِّلُونَهُ وَيَدْفِنُونَهُ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَلَّمَ، كَمَا أَنَّ الرِّيحَ إِذَا دَخَلَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ سَمِعْتَ لَهُ دَوِيًّا، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ لَمْ تَسْمَعْ لَهُ صَوْتًا، وَكَذَلِكَ الْمَزَامِيرُ، فَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَجِدُونَ