فارس وبحر الروم، وكان ذلك الموضع الذي وعد موسى للقاء الخضر.
وقوله: ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] أي: أسير حقبا، قال الوالبي: دهرا.
والحقب عند أهل اللغة ثمانون سنة، والمعنى: لا أزال أسير، وإن احتجت إلى أن أسير حقبا، حتى أبلغ مجمع البحرين.
﴿فَلَمَّا بَلَغَا﴾ [الكهف: ٦١] يعني موسى وصاحبه، ﴿مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ [الكهف: ٦١] بين البحرين، وهو حيث وعد للقاء الخضر، وقوله: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] قال المفسرين: كانا فيما تزودا حوت مملح فِي زبيل، فكانا يصيبان منه الغداء والعشاء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر، وضع فتاه المكتل، فأصاب الحوت ندى البحر، فتحرك فِي المكتل، فانسرب فِي البحر، وقد كان قيل لموسى: تزود معك حوتا مالحا، فحيث تفقد الحوت ثم تجد الرجل العالم، فلما انتهيا إلى الصخرة، قال لفتاه: امكث حتى آتيك، وانطلق موسى لحاجته، فجرى الحوت حتى وقع فِي البحر، فقال قتادة: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان، فذلك قوله: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] وإنما نسيه يوشع أن يذكر قصته لموسى، فأضيف النسيان إليهما توسعا، لأنهما جميعا تزودانه، فصار كما يقال: نسي القوم زادهم، وإنما نسيه أحدهم.
وقوله: ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] قال قتادة: جعل لا يسلك طريقا إلا صار الماء جامدا.
وقال الربيع بن أنس: انجاب الماء عن مسلك الحوت، فصار كوة لم يلتئم.
والسرب معناه فِي اللغة المحفور فِي الأرض، لا نفاذ له، شبه مسلك الحوت فِي الماء، والماء منجاب عنه بالسرب، كما قال الفراء: لما وقع فِي الماء جمد مذهبه فِي البحر، فكان كالسرب.
﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ [الكهف: ٦٢] ذلك المكان الذي كانت عنده الصخرة، وذهب الحوت، انطلقا، فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال، ولم يجد موسى النصب حتى جاوز الموضع الذي يريده، فدعا بالطعام ليأكل، وهو قوله: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ [الكهف: ٦٢] وهو الطعام الذي يؤكل بالغداء، ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ [الكهف: ٦٢] وهو الإعياء من العناء، والفعل نصب ينصب.
فلما قال له موسى ذلك، تذكر قصة الحوت، فقال لموسى: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ [الكهف: ٦٣] يعني: حين نزلا هناك، ﴿فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ [الكهف: ٦٣] أن أحدثكه، ثم اعتذر فقال: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] وذلك أنه لو ذكر لموسى قصة الحوت عند الصخرة، ما جاوزها موسى، وما ناله النصب الذي اشتكاه، واتخذ الحوت ﴿سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف: ٦٣] أي: سبيلا عجبا، وهو أن الماء انجاب عنه، وبقي كالكوة لم يلتئم، فلما قال هذا يوشع، ذكر موسى ما كان عهد إليه أنه يدلك عليه بعض زادك.
﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ [الكهف: ٦٤] أي: نطلب ونريد من العلامة، ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا﴾ [الكهف: ٦٤] رجعا وعادا عودهما على بدئهما فِي الطريق الذي جاءا منه، قصصا يقصان آثارهما قصصا، والقصص اتباع الأثر، ومنه قوله: ﴿قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١].
قوله: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الكهف: ٦٥] أي: أدركا الخضر، واسمه بليا بن ملكان، وإنما سمي الخضر


الصفحة التالية
Icon