أخبرنا أبو بكر التميمي، أنا أبو الشيخ الأصفهاني، نا أحمد بن محمد بن سريح، نا محمد بن رافع، نا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهبا يقول: قال له الرب: ﴿أَلْقِهَا يَا مُوسَى﴾ [طه: ١٩].
فظن موسى أنه يقول: ارفضها، فألقاها على وجه الرفض، ثم حانت منه لفتة، فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون، يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل، فيلقمها، ويطعن بنابه فِي أصل الشجر العظيمة فيحتها، عيناه توقدان نارا، وقد عاد المحجن عنقا فِيهِ شعر مثل النيازك، فلما عاين ذلك موسى ﴿وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠] ثم ذكر ربه، فوقف استحياء منه، ثم نودي ارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف.
﴿قَالَ خُذْهَا﴾ [طه: ٢١] بيمينك، ﴿وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى﴾ [طه: ٢١] وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف قد خلها بخلال من عيدان، فلما أمره بأخذها، أوكى طرف الدرعة على يده، فقال ملك: يا موسى، أرأيت لو أذن الله بما تحاذر، أكانت المدرعة تغني عنك شيئا.
قال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت وكشف عن يده.
ثم وضعها فِي فم الحية فإذا يده فِي الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين.
قال المفسرون: أراد الله تعالى أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون، ولا يولي مدبرا.
قوله: ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى﴾ [طه: ٢١] قال السدي: نردها عصا كما كانت.
والسيرة الهيئة والحالة، يقال لمن كان على شيء فتركه ثم عاد إليه: عاد إلى سيرته.
قال الزجاج: المعنى سنعيدها إلى سيرتها، فلما حذفت إلى، وصل إليها الفعل فنصبها.
﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى {٢٢﴾ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴿٢٣﴾ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿٢٤﴾ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿٢٥﴾ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿٢٦﴾ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴿٢٧﴾ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴿٢٨﴾ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ﴿٢٩﴾ هَارُونَ أَخِي ﴿٣٠﴾ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴿٣١﴾ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴿٣٢﴾ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴿٣٣﴾ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴿٣٤﴾ إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴿٣٥﴾ } [طه: ٢٢-٣٥] قوله: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾ [طه: ٢٢] قال الفراء، والزجاج: جناح الإنسان عضده إلى أصل إبطه.
وهذا قول مجاهد، قال: كفك تحت عضدك.
وقوله: تخرج بيضاء قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع، يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر، وأشد ضوءا.
فذلك قوله: ﴿بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] أي: من غير برص فِي قول الجميع، قال الليث: ويكنى بالسوء عن البرص.
وقوله: ﴿آيَةً أُخْرَى﴾ [طه: ٢٢] أي: دلالة على صدقك سوى العصا.
{لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا


الصفحة التالية
Icon