هامان، فقال له فرعون: أعلمت أن موسى قد دعاني إلى أمر أعجبني، وأخبره بالذي دعاه إليه، وأردت أن أقبله منه، فقال له هامان: قد كنت أرى أن لك رأيا بينا، أنت رب فتريد أن تكون مربوبا، وبينا أنت تُعْبَدُ فتريد أن تَعْبُدُ.
فقلبه عن رأيه ذلك فأنبى، قال الشيخ سمعت إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي، سمعت والدي، سمعت أحمد بن محمد الأزرقي، سمعت محمد بن إبراهيم يقول: حضرت مجلس يحيى بن معاذ، وقرأ رجل هذه الآية ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا﴾ [طه: ٤٤] فبكى يحيى، ثم قال: إلهي، هذا رفقك بمن يقول أنا إله، فكيف رفقك بمن يقول: أنت إلهي، إن قول إلا إله إلا الله يهدم كفر خمسين سنة، فما تصنع بذنوب خمسين سنة.
وقوله: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤] أي: ادعواه على الرجاء والطمع، لا على اليأس من فلاحه، فوقع التعبد لهما على هذا الوجه، لأنه أبلغ لهما فِي دعائه إلى الحق، وقد كشف الزجاج عن هذا المعنى، فقال: المعنى فِي هذا عند سيبويه: اذهبا على رجائكما وطمعكما، والعلم من الله قد أتي من وراء ما يكون، وإنما تبعث الرسل وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم.
وقال ابن الأنباري: مذهب الفراء فِي هذا: كي يتذكى أو يخشى فِي تقديركما، وما تمضيان عليه.
﴿قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى {٤٥﴾ قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴿٤٦﴾ فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴿٤٧﴾ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴿٤٨﴾ } [طه: ٤٥-٤٨] ﴿قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا﴾ [طه: ٤٥] أن يبادر ويعجل بعقوبتنا، يقال: فرط فلان إذا عجل بمكروه، وفرط منه أمر، أي بدر وسبق.
وقوله: ﴿أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾ [طه: ٤٥] أي: يتجاوز الحد فِي الإساءة بنا.
٦٠٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحَمْنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ، أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرٍ الرُّصَافِيُّ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، أنا سَالِمُ بْنُ جُنْدَةَ، نا أَبِي، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى سُلْطَانٍ يَخَافُ تَغَطْرُسَهُ؛ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فُلانٍ وَأَحْزَابِهِ؛ أَنْ يُفَرِّطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ، أَوْ أَنْ يَطْغَى، عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ
﴿قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا﴾ [طه: ٤٦] بالنصرة والعون، ﴿أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦] قال ابن عباس: أسمع دعاءكما فأجيبه، وأرى ما يراد بكما فأمنعه.
والمعنى: لست بغافل عنكما فلا تهتما.
﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧] أرسلنا إليك، ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [طه: ٤٧] أي: خل عنهم، ﴿وَلا تُعَذِّبْهُمْ﴾ [طه: ٤٧] وكان فرعون يستعملهم فِي الأعمال الشاقة، {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ