﴿إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٧] أن الرسل بشر، وذلك أن اليهود والنصارى لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا، وإن أنكروا نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الأمر بالسؤال للمشركين لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرب منهم إلى تصديق من آمن.
وما جعلناهم يعني الرسل، جسدا قال الزجاج: هو واحد ينبئ عن جماعة.
أي: وما جعلناهم ذوي أجساد، ﴿لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ [الأنبياء: ٨] وذلك أنهم قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام؟ فأعلموا أن الرسل جميعا كانوا يأكلون الطعام، ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨] يعني: يموتون كسائر البشر.
﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ﴾ [الأنبياء: ٩] أي: أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك من كذبهم، وهو قوله: فأنجيناهم أي: من العذاب، ومن نشاء قال ابن عباس: يعني الذين صدقوهم، وأهلكنا المسرفين قال: يريد المشركين، وهذا تخويف لكفار مكة.
ثم ذكر منته عليهم بالقرآن، فقال: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ {١٠﴾ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴿١١﴾ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ﴿١٢﴾ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴿١٣﴾ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿١٤﴾ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴿١٥﴾ } [الأنبياء: ١٠-١٥] ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠] يا معشر قريش، ﴿كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠] قال: يريد فيه شرفكم، كقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] وذلك أنه كتاب عربي بلغة قريش.
وقال الحسن: فيه ذكركم، أي ما تحتاجون إليه من أمر دينكم.
أفلا تعقلون ما فضلتكم به على غيركم، أنزلتكم حرمي، وبعثت فيكم نبيي.
ثم خوفهم فقال: وكم قصمنا القصم: كسر الشيء ودقه.
قال مجاهد، والسدي: أهلكنا.
وقال الكلبي: عذبنا.
﴿مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ [الأنبياء: ١١] أي: كافرة، يعني أهلها، وأنشأنا وأحدثنا وأوجدنا بعد إهلاك أهلها، {قَوْمًا آخَرِينَ ﴿١١﴾ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} [الأنبياء: ١١-١٢] رأوا عذابنا بحاسة البصر، ويجوز أن يكون المعنى: لما ذاقوا عذابنا، قال المفسرون: هؤلاء كانوا قوما كذبوا نبيهم، وقتلوه، فسلط الله عليهم بخت نصر حتى قتلهم، وسباهم، ونكل فيهم.
وعلى ما قالوا الآية مخصوصة، وإن وردت عامة، وقوله: ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ [الأنبياء: ١٢] أي: يفرون وينهزمون ويهربون، وأصله من ركض الرجل مركل الدابة برجليه، يقال: ركض الفرس إذ كده بساقيه.
لا تركضوا أي: قيل لهم: لا تركضوا، وذلك أنهم لما أخذتهم السيوف انهزموا مسرعين، فقالت لهم الملائكة بحيث سمعوا النداء: لا تركضوا ﴿وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٣] أي: خولتم ونعمتم، وقال ابن قتيبة: إلى نعمكم التي أترفتم.
وقد بينا هذا عند قوله: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ [الإسراء: ١٦]، وقوله: لعلكم تسألون أي: شيئا من دنياكم، والمعنى أن الملائكة استهزأت بهم،