كلهم قالوا: إلا ليس باستثناء ههنا، ولكنه مع ما بعده صفة للآلهة في معنى غير.
قال الزجاج: وكذلك ارتفع ما بعدها على لفظ الذي قبلها، وأنشد:
وكل أخ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلا الفرقدان
قال: المعنى وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه.
وقوله: لفسدتا أي: لخربتا وبطلتا وهلكتا، وهلك من فيهما لوجود التماني بين الآلهة، فلا يجري أمر العالم على النظام، لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام.
ثم نزه نفسه عما يصفه به الكافرون عن الشريك والولد بقوله: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {٢٢﴾ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴿٢٣﴾ } [الأنبياء: ٢٢-٢٣] أي: لا يسأل الله عما يفعله ويقضيه في خلقه، والناس يسألون عن أعمالهم، والمعنى أنه لا يسأل عما يحكم في عباده من إعزاز وإذلال، وهدى وإضلال، وإسعاد وإشقاء، لأنه الرب مالك الأعيان، والخلق يسألون سؤال توبيخ، يقال لهم يوم القيامة: لم فعلتم كذا؟ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، والله تعالى ليس فوقه أحد يقول له لشيء فعلته: لم فعلته؟
٦١٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَاصِمٍ، نا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، نا أَبُو عَاصِمٍ، نا عُرْوَةُ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَلَيْسَ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ، أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ وَأُخِذَتْ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ؟ قُلْتُ: بَلْ هُوَ شَيْءٌ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ، قَالَ: فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا؟ قُلْتُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إِلا وَهُوَ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ، وَلا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَقَالَ: ثَبَّتَكَ اللَّهُ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَحْرِزَ عَقْلَكَ، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، أَوْ مُزَيْنَةَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فِيهِ وَيَكْدَحُونَ، أَلَيْسَ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ، أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ وَأُخِذَتْ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى، قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ، أَوْ فِيمَ نَعْمَلُ؟ قَالَ: مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ لإِحْدَى الْمَنْزِلَتَيْنِ أَلْهَمَهُ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ وَلَمَّا أَبْطَلَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ إِلَهٌ سِوَاهُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ أَبْطَلَ جَوَازَ اتِّخَاذِ إِلَهٍ سِوَاهُ مِنْ حَيْثُ الأَمْرِ
فقال: {