أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴿٢٤﴾ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴿٢٥﴾ } [الأنبياء: ٢٤-٢٥] ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ [الأنبياء: ٢٤] وهذا استفهام إنكار وتوبيخ، ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٢٤] بينتكم على ما تقولون من جواز اتخاذ إله سواه، ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يعني القرآن، يقول فيه خبر من معي على ديني ممن يتبعني إلى يوم القيامة بمالهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، ﴿وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾ [الأنبياء: ٢٤] قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد التوراة والإنجيل وما أنزل الله من الكتب.
والمعنى: هذا القرآن وهذه الكتب التي أنزلت قبلي، فانظروا هل في واحد من الكتب أن الله أمر باتخاذ إله سواه، فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود سواه من حيث الأمر به.
قال الزجاج: قل لهم هاتوا برهانكم بأن رسولا من الرسل أنبأ أمته بأن لهم إلها غير الله، فهل في ذكر من قبلي إلا توحيد الله.
يدل على صحة هذا المعنى قوله بعد هذا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] فلما توجهت الحجة عليهم، ذمهم على جهلهم بمواضع الحق، فقال: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] عن التأمل والفكر، وما يجب عليهم من الإيمان.
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ {٢٦﴾ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴿٢٧﴾ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴿٢٨﴾ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴿٢٩﴾ } [الأنبياء: ٢٦-٢٩] ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ [الأنبياء: ٢٦] قال ابن عباس: يريد من الملائكة.
سبحانه نزه نفسه عما يقولون، بل عباد بل هم عباد، يعني الملائكة، مكرمون أكرمتهم واصطفيتهم.
﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الأنبياء: ٢٧] لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به ربهم، وقال ابن قتيبة: لا يقولون حتى يقول، ويأمر وينهى، ثم يقولون عنه كما لا يعلمون حتى يأمرهم.
وهو قوله: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴿٢٧﴾ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الأنبياء: ٢٧-٢٨] ما قدموا من أعمالهم، وما خلفهم وما أخروا منها، أي: ما عملوا، وما هم عاملون، ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] قال ابن عباس: لمن قال لا إله إلا الله.
وقال مجاهد: لمن رضي عنه.
﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ﴾ [الأنبياء: ٢٨] أي: من خشيتهم منه، فأضيف المصدر إلى المفعول، مشفقون خائفون لا يأمنون مكره.
﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ﴾ [الأنبياء: ٢٩] من الملائكة، ﴿إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ﴾ [الأنبياء: ٢٩] من دون الله، ﴿فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٢٩] قال المفسرون: يعني إبليس، لأنه أمر بطاعة نفسه، ودعا إلى عبادته، كذلك كما جزيناه جهنم، نجزي الظالمين يعني المشركين.
﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ {٣٠﴾ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿٣١﴾