وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴿٣٢﴾ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿٣٣﴾ } [الأنبياء: ٣٠-٣٣] قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٣٠] أو لم يعلموا، ﴿أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ [الأنبياء: ٣٠] الرتق: السد، يقال: رتقت الشيء فارتتق.
ففتقناهما قال ابن عباس: فتق الله السماء بالمطر، والأرض بالنبات، كانت السموات لا تنزل مطرا، والأرض لا تنبت نباتا.
﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] أي: وأحيينا بالماء الذي تنزله من السماء كل شيء حي من الحيوان، ويدخل فيه النبات والشجر، يعني أنه سبب لحياة كل شيء، والمفسرون يقولون: يعني أن كل شيء فهو مخلوق من الماء، كقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ [النور: ٤٥] قال أبو العالية: يعني النطفة، وعلى هذا لا يتعلق هذا بما قبله، وهو احتجاج على المشركين بقدرة الله.
أفلا يؤمنون أفلا يصدقون بعد هذا البيان؟ ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣١] مفسر في ﴿ [النحل، وجعلنا فيها في الرواسي، فجاجا قال أبو عبيدة: هي المسالك.
وقال الزجاج: كل مخترق بين جبلين هو فج.
قال ابن عباس: جعلنا بين الجبال طرقا حتى يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار.
وقوله: سبلا تفسير للفجاج، وبيان أن تلك الفجاج نافذة مسلوكة، فقد يكون الفج غير نافذ.
] وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا﴾ [سورة الأنبياء: ٣٢] السقف من أسماء السماء، قال الله تعالى: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ [الطور: ٥] والسماء للأرض كالسقف للبيت، وقوله: محفوظا قال ابن عباس: من الشياطين بالنجوم، دليله قوله: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [الحجر: ١٧].
وذكر الزجاج وجها آخر، قال: حفظه من الوقوع على الرض إلا بإذنه، دليله قوله: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ﴾ [الحج: ٦٥].
وهم يعني المشركين، عن آياتها شمسها وقمرها ونجومها، معرضون لا يتدبرونها ولا يتفكرون فيها، فيعلموا أن خالقها لا شريك له.
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ﴾ [الأنبياء: ٣٣] يعني الطوالع، في فلك الفلك في كلام العرض: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فلكة المغزل، وتفلك ثدي الجارية، قال السدي: في مجرى واستدارة.
وقال الكلبي: الفلك استدارة السماء، وكل شيء استدار فهو فلك.
وهذا قول أكثر المفسرين، قالوا: الفلك مدار النجوم الذي يضمها.
قال الحسن: الفلك طاحونة كهيئة فلك المغزل، يريد أن الذي تجري فيه النجوم مستدير كاستدارة الطاحونة.
وقوله: يسبحون أي: يجرون بسرعة كالسابح في الماء، وقد قال في موضع آخر: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ [النازعات: ٣] يعني النجوم، والسبح لا يختص بالجري في الماء، فقد يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري: سابح.
قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ {٣٤﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾ } [الأنبياء: ٣٤-٣٥] ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] الخلد: اسم من الخلود، وهو البقاء الدائم، يقول: ما خلدنا قبلك أحدا من