﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ {٤٨﴾ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴿٤٩﴾ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٥٠﴾ } [الأنبياء: ٤٨-٥٠] قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ [الأنبياء: ٤٨] قال مجاهد، وقتادة: يعني التوراة التي تفرق بين الحلال والحرام.
وضياء من صفة التوراة، مثل قوله: ﴿فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ [المائدة: ٤٤] والمعنى أنهم استضاءوا بها حتى اهتدوا في دينهم، ومعنى وذكرا للمتقين أنهم يذكرونه ويعلمون بما فيه، ويتعظون بمواعظه.
﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [الأنبياء: ٤٩] أي: في الدنيا، غائبين عن الآخرة وأحكامها، ﴿وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٩] أي: من أهوالها وعذابها، مشفقون خائفون.
ثم عاد إلى ذكر القرآن، فقال: وهذا ذكر قال الزجاج: المعنى هذا القرآن ذكر لمن تذكر به، وعظة لمن اتعظ.
مبارك أنزلناه كثير خير أفأنتم يا أهل مكة، له منكرون إياه جاحدون؟ وهذا استفهام توبيخ وتعيير.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ {٥١﴾ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴿٥٢﴾ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴿٥٣﴾ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴿٥٤﴾ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴿٥٥﴾ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴿٥٦﴾ } [الأنبياء: ٥١-٥٦] وقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ﴾ [الأنبياء: ٥١] أي هداه، من قبل أي: من قبل بلوغه، والمعنى: آتيناه هذا صغيرا حين كان في السرب حتى عرف الحق من الباطل، ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥١] علمنا أنه موضع لإيتاء الرشد، وأنه يصلح للنبوة.
ثم بين متى أتاه، فقال: ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ [الأنبياء: ٥٢] أي: في ذلك الوقت الذي قال لهم وهم يعبدون الصنم، ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي﴾ [الأنبياء: ٥٢] يعني الأصنام، والتمثال اسم للشيء المصنوع مشبها بخلق من خلق الله، وأصله من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به، واسم ذلك الممثل ثمثال، وجمعه تماثيل، وقوله: ﴿أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢] أي: على عبادتها مقيمون، فأجابوه بأنهم وجدوا آباءهم يعبدونها، فاقتدوا بهم على طريق التقليد في عبادتها، فأجابهم إبراهيم بأنهم فيما فعلوه وآباؤهم كانوا في ضلال مبين بعبادة الأصنام، وهذا الذي ذكرنا معنى قوله: ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا﴾ [الأنبياء: ٥٣] إلى قوله: ﴿أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٥] يعنون أجاد أنت فيما تقول حق أم لاعب مازح؟ وهذا جهل منهم، تخيلوا المحق لاعبا، فأجابهم إبراهيم بما يزيل تخيلهم ويدلهم على أن المستحق للعبادة هو الله، لا الصنم.
وهو قوله: ﴿قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٦] أي: على أنه رب السموات والأرض، من الشاهدين {


الصفحة التالية
Icon