وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴿٥٧﴾ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴿٥٨﴾ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٩﴾ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٠﴾ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴿٦١﴾ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴿٦٣﴾ } [الأنبياء: ٥٧-٦٣] ﴿وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٧] معنى الكيد: ضر الشيء بتدبير عليه، ﴿بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٧] ينطلقوا ذاهبين، قال المفسرون: كان لهم في كل سنة مجمع وعيد، قالوا لإبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا.
فقال إبراهيم سرا منهم: وتالله لأكيدن الآية.
ولم يسمع هذا القول من إبراهيم إلا رجل واحد، وهو الذي أفشاه عليه.
قوله: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾ [الأنبياء: ٥٨] الجذ: القطع والكسر، والجذاذ: قطع ما كسر، الواحد جذاذة، وهو مثل الحطام والرفات والدقاق، وقرأ الكسائي بكسر الجيم على أنه جمع جذيذ، مثل ثقال وثقيل، وخفيف وخفاف، والجذيذ بمعنى المجذوذ وهو المكسور.
قال المفسرون: لما انطلقوا إلى عيدهم، رجع إبراهيم إلى بيت الأصنام، وجعل يكسرهن بفأس في يده، حتى إذا لم يبق إلا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه، ثم خرج.
فذلك قوله: ﴿إِلا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٨] قال الزجاج: أي: كسر الأصنام إلا أكبرها، ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٨] أي: إلى دينه وإلى ما يدعوهم إليه بوجوب الحجة عليهم في عبادة ما لا يدفع عن نفسه، وتنبهوا إلى جهلهم وعظيم خطاهم، ولما رجعوا من عيدهم، ونظروا إلى آلهتهم، وهم جذاذ.
﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا﴾ [الأنبياء: ٥٩] استفهموا عمن صنع ذلك؟ وأنكروا عليه فعله بقولهم: ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٩] أي: فعل ما لم يكن له أن يفعله.
فقال من سمع من إبراهيم قوله: ﴿وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٧]، ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٠] أي بالغيب، ﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٠] وشاعت القصة حتى بلغت نمروذ.
وأشرف قومه ﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ﴾ [الأنبياء: ٦١] أي: بالذي يقال له إبراهيم، ﴿عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ [الأنبياء: ٦١] أي: ظاهرا بمرأى من الناس حتى يروه، لعلهم يشهدون عليه بما قاله، فيكون ذلك حجة عليه بما فعل، هذا قول الحسن، وقتادة، والسدي، قالوا: كرهوا أن يأخذوه بغير بينة.
وقال محمد بن إسحاق: لعلهم يشهدون عقابه وما يصنع به.
أي يحضرون.
فلما أتوا به {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿٦٢﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٢-٦٣] أسند فعله إلى كبير الأصنام، إقامة للحجة عليهم، قال: غضب من أن يعبدوا معه الصغار فكسرهن.
٦١٧ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُطَّوِّعِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِي، أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، أنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلا ثَلاثَ كَذِبَاتٍ؛ قَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾، وَقَوْلُهُ لِسَارَّةَ: إِنَّهَا أُخْتِي، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾
قال المفسرون: وجاز أن يكون الله قد أذن له في ذلك ليوبخ قومه، ويعرفهم خطأهم، كما أذن


الصفحة التالية
Icon