يخاصم في قدرة الله، ويزعم أنه غير قادر على البعث بغير علم في ذلك، إنما يقوله باغواء الشيطان وطاعته إياه، وهو قوله: ﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ﴾ [الحج: ٣] قال ابن عباس: المريد المتمرد على الله.
﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [الحج: ٤] قال ابن عباس: قضى الله أن من أطاع إبليس أضله ولم يرشده وجره إلى عذاب السعير.
﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ {٥﴾ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٦﴾ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴿٧﴾ } [الحج: ٥-٧] ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ﴾ [الحج: ٥] يعني: أهل مكة، ﴿إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ﴾ [الحج: ٥] قال ابن عباس: في شك من القيامة.
﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الحج: ٥] قال الزجاج: أي تدبروا أمر خلقكم وابتدائكم فإنكم لا تجدون في القدرة فرقا بين ابتداء الخلق وبين إعادته.
وهو قوله: ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الحج: ٥] يعني: خلق آدم، ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [الحج: ٥] يعني: خلق ولده، ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ [الحج: ٥] وهي الدم الجامد قبل أن يبيض، وذلك أن النطفة المخلوق منها الولد تصير دما غليظا، ثم تصير لحما، وهو قوله: ﴿ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ﴾ [الحج: ٥] والمضغة: قطعة لحم، وقوله: ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ [الحج: ٥] قال ابن الأعرابي: مخلقة قد برأ خلقه، وغير مخلقة لم تصور.
قال السدي: هذا في السقط، والمرأة تسقط النطفة بيضاء، والعلقة تسقط قد صور بعضه، وتسقط وقد صور كله.
فعلى هذا القول المخلقة وغير المخلقة في السقط، وذهب الأكثرون إلى أن المخلقة: ما أكمل خلقه فينفخ الروح فيه، وهو الذي يولد لتمام حيا، وما سقط كان غير مخلقة، أي غير حي بإكمال خلقه بالروح، وهذا معنى قول ابن عباس رواية عطاء، وعكرمة، والكلبي.
ويدل على صحة التفسير: ما
٦٢٩ - مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ، نا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، نا الْعَسْكَرِيُّ، نا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أَخَذَهَا مَلَكٌ بِكَفِّهِ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، مُخَلَّقَةٌ أَمْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ؟ فَإِنْ قِيلَ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ؛ قَذَفَتْهَا الأَرْحَامُ دَمًا وَلَمْ تَكُنْ نَسَمَةً وَإِنْ قِيلَ مُخَلَّقَةٌ؛ قَالَ: رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٍ؟ مَا الأَجَلُ؟ مَا الأَثَرُ؟ مَا الرِّزْقُ؟ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ؟ فَيُقَالُ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْكِتَابِ، فَإِنَّكَ تَجِدُ فِيهَا قِصَّةَ هَذِهِ النُّطْفَةِ فَيَذْهَبُ فَيَجِدُهَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَتُخْلَقُ فَتَعِيشُ مِنْ أَجَلِهَا وَتَأْكُلُ رِزْقَهَا وَتَطَأُ أَثَرَهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا مَاتَتْ فَدُفِنَتْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي ثَبَتَ لَهَا، ثُمَّ تَلا عَامِرٌ: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ
وقوله: لنبين لكم قال ابن عباس: لنبين لكم ما تأتون وما تذرون.
يعني أن الله خلق بني آدم ليبين لهم ما يحتاجون إليه في العبادة، وقال صاحب النظم: ليبين لكم أن البعث حق، لأن الآية نزلت دلالة على البعث.
ونقر ونثبت،﴾ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ ﴿ [الحج: ٥] فلا يكون سقطا،﴾ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى { [الحج: ٥] إلى