لأنه لا يحق عليه العذاب إلا بتركه السجود،} وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴿ [الحج: ١٨] من يشقه الله فما له من مسعد،﴾ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴿ [الحج: ١٨] في خلقه من الإهانة والكرامة، والشقاوة والسعادة.
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴿١٩﴾ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴿٢٠﴾ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴿٢١﴾ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿٢٢﴾ ﴿ [الحج: ١٩-٢٢] قوله:﴾ هَذَانِ خَصْمَانِ ﴿ [الحج: ١٩] الفرق الخمسة الكافرة خصم، والمؤمنون خصم، وقد ذكروا جميعا في قوله:﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴿ [الحج: ١٧] والخصم يقع على الواحد والجميع، ولهذا قال:﴾ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴿ [الحج: ١٩] لأنهم جمعان وليسا برجلين، ومثله:﴾ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات: ٩] والمعنى: اختصموا في دين ربهم، فقالت اليهود والنصارى للمسلمين: نحن أولى بالله منكم، لأن نبينا قبل نبيكم، وديننا قبل دينكم، وكتابنا قبل كتابكم.
فقال المسلمون: بل نحن أحق بالله منكم، آمنا بكتابنا وكتابكم، ونبينا ونبيكم، وكفرتم أنتم بنبينا حسدا.
فكان هذا خصومتهم في ربهم، وهذا قول جماعة المفسرين، وكان أبو ذر يقسم أن هذه الآية نزلت في الذين بارزوا يوم بدر من الفريقين.
٦٣٠ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ السَّقَطِيُّ، نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، نا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، نا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ فِي هَؤُلاءِ السِّتَّةِ: حَمْزَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ هُشَيْمٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ كِلاهُمَا، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ، ثُمَّ بَيَانُ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾ قَالَ الأَزْهَرِيُّ: أَيْ: سُوِّيَتْ وَجُعِلَتْ لَبُوسًا لَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حِينَ صَارُوا إِلَى جَهَنَّمَ أُلْبِسُوا مُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ
وقوله: ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾ [الحج: ١٩] روى أبي هريرة أنه قرأ هذه الآية، ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن الحميم ليصب على رءوسهم، فينفذ الجمجمة، حتى يخلص إلى جوف الكافر، فيسلت ما في جوفه حتى يحرق قدميه، وهو الصهر، ثم يعاد كما كان».
وهذا معنى قوله تعالى: يصهر به أي: بذلك الحميم، ﴿مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾ [الحج: ٢٠] وفسر الصهر بالإذابة والإحراق


الصفحة التالية
Icon