والأعظم، ﴿فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢] أي: فبان تعظيمها، ثم حذف المضاف لدلالة يعظم على التعظيم، وأضاف التقوى إلى القلوب، لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب.
قوله: لكم فيها في الشعائر، منافع بركوبها وشرب لبنها إن احتاج إليه، ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] إلى أن ينحر، فهذا قول عطاء بن أبي رباح، ومذهب الشافعي، وعنده أن المهدي لو ركب هدية ركوبا غير فادح فلا بأس، والأكثرون من المفسرين يذهبون إلى أن المنافع من رسلها ونسلها وركوب ظهرها وأصوافها وأدبارها، إنما يكون قبل أن يسميها هديا، فإذا سماها هديا انقطعت المنافع بعد ذلك.
وهو قوله: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] وبعد أن سميت هديا لا ينتفع بها غير أهل الله، والقول هو الأول لقوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ [الحج: ٣٣] أي: في الشعائر، وقبل إيجابها لا تسمى شعائر، ولما روى أبو هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلا يسوق بدنة، فقال: «اركبها».
فقال: إنها بدنة.
فقال: «اركبها ويحك»، أو «ويلك».
وقوله: ثم محلها أي: حيث يحل نحرها، ﴿إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] يعني: عند البيت، وهو الحرم كله.
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ {٣٤﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿٣٥﴾ } [الحج: ٣٤-٣٥] قوله: ولكل أمة أي: جماعة مؤمنة، يعني: من الذين سلفوا، جعلنا منسكا المنسك ههنا مصدر من نسك ينسك إذا ذبح القربان، قال مجاهد: يريد إراقة الدماء.
وقال عكرمة، ومقاتل: يعني ذبح.
وقرأ حمزة بكسر السين، والفتح أولى، لأن المصدر من هذا الباب بفتح العين، والمعنى: جعلنا لكل أمة أن يتقرب إلى الله بأن تذبح الذبائح، ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ﴾ [الحج: ٣٤] أي: على نحر ما رزقهم، ﴿مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾ [الحج: ٣٤] وبهيمة غير الأنعام لا يحل ذبحها، ولا التقرب بها، والآية دالة على أن الذبائح ليست من خصائص هذه الأمة، وأن التسمية على الذبائح كانت مشروعة قبلنا، وقوله: ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الحج: ٣٤] أي: لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم إلا الله وحده، فله أسلموا انقادوا وأطيعوا، وبشر المخبتين المتواضعين المطمئنين إلى الله.
﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: ٣٥] إذا خوفوا بالله خافوا، ﴿وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ [الحج: ٣٥] من البلاء والمصائب في طاعة الله، والمقيمين الصلاة في أوقاتها، يؤدونها كما استحفظهم الله، ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الحج: ٣٥] قال ابن عباس: يتصدقون من الواجب وغيره.
قوله: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: ٣٦]


الصفحة التالية
Icon