قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴿٤٩﴾ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿٥٠﴾ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴿٥١﴾ } [الحج: ٤٩-٥١] ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا﴾ [الحج: ٥١] أي: عملوا في إبطالها، معاجزين ظانين ومقدرين أن يعجزونا ويفوتونا، لأنهم ظنوا أن لا بعث ولا نشور، ولا جنة ولا نار، وهذا معنى قول قتادة: ظنوا أنهم يعجزون الله فلا يقدر عليهم.
وهذا كقوله: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ [العنكبوت: ٤] ومن قرأ معجزين فالمعنى أنهم كانوا يعجزون من اتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: ينسبونهم إلى العجز، ثم أخبر عن هؤلاء أنهم أصحاب النار بقوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [الحج: ٥١].
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {٥٢﴾ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴿٥٣﴾ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٥٤﴾ } [الحج: ٥٢-٥٤] قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ﴾ [الحج: ٥٢] الرسول: الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عيانا، ومحاورته إياه شفاها.
والنبي: الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسول.
وقوله: ﴿إِلا إِذَا تَمَنَّى﴾ [الحج: ٥٢] قال ابن عباس: إلا إذا قرأ.
وقال المفسرون: تلا.
وذكرنا التمني بمعنى القراءة في قوله: ﴿إِلا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: ٧٨].
قوله: ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج: ٥٢] أي تلاوته، قال جماعة من المفسرين: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان حريصا على إيمان قومه، فجلس يوما ما في مجلس لهم، وقرأ عليهم ﴿ [النجم، فلما أتى إلى قوله:] أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى {١٩﴾ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ﴿٢٠﴾ } [سورة النجم: ١٩-٢٠] ألقى الشيطان في أمنيته حتى وصل: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى»، ففرح المشركون بذلك، وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فأتاه جبريل، وأخبره بما جرى من الغلط على لسانه، فاشتد ذلك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله هذه الآية، وهذا قول ابن عباس، والسدي، ومجاهد، وقتادة، وسعيد بن جبير وغيرهم.
قال عطاء، عن ابن عباس: إن شيطانا يقال له الأبيض أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فألقى في قراءته: «وإنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى».