الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ، وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» ثُمَّ فَسَّرَهَا؛ فَقَالَ ﴿زَيْتُونَةٍ﴾ وَخَصَّهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الأَشْجَارِ؛ لأَنَّ دُهْنَهَا أَصْفَى وَأَضْوَأُ
وقوله: ﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ [النور: ٣٥] أي: لا يفيء عليها ظل شرق ولا غرب، هي ضاحية للشمس لا يظلها جبل ولا شجر ولا كهف، وزيتها يكون أصفى، وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة، والكلبي.
ونحوه قال قتادة، والسدي، والأكثرون.
واختيار الفراء والزجاج، قال الفراء: الشرقية التي تأخذها الشمس إذا أشرقت ولا تصيبها إذا غربت لأن لها سترا، والغربية التي تصيبها الشمس بالعشي ولا تصيبها بالغداة.
وقوله: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا﴾ [النور: ٣٥] زيت الزيتون، يعني: دهنها يكاد يضيء المكان من صفائه من غير أن يصيبه النار بأن يوقد به، وهو قوله: ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ [النور: ٣٥] قال المفسرون: هذا مثل للمؤمن، فالمشكاة قلبه، والمصباح هو الإيمان والقرآن، والزجاج صدره.
ومعنى قوله: ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ [النور: ٣٥] : يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى، قوله: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ [النور: ٣٥] قال مجاهد: النار على الزيت.
وقال الكلبي: المصباح نور والزجاجة نور وهو مثل لإيمان المؤمن وعمله.
وقال السدي: نور الإيمان ونور القرآن.
وقوله: ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: ٣٥] قال ابن عباس: لدينه الإسلام، وإن شئت قلت للقرآن.
﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ [النور: ٣٥] يبين الله الأشياء للناس تقريبا إلى الأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك، ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٣٥] عالم.
﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ {٣٦﴾ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ﴿٣٧﴾ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿٣٨﴾ } [النور: ٣٦-٣٨] قوله: ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ [النور: ٣٦] يعني المساجد، ﴿أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ [النور: ٣٦] أمر الله أن تبنى، والمراد برفعها بناؤها، كقوله: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ [البقرة: ١٢٧] وقال الحسن: ترفع تعظم.
والمعنى: لا يتكلم فيها بالخنا.
﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: ٣٦] قال مقاتل، وابن عباس: يوحد الله فيها.
﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا﴾ [النور: ٣٦] يصلي لله في قلب البيوت، يعني: الصلوات المفروضة.
﴿بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ﴾ [النور: ٣٦] بالبكر والعشايا، وقرأ ابن عامر يسبح بفتح الباء، أي: يصلى لله فيها.
ثم فسر من يصلي، فقال: ﴿رِجَالٌ﴾ [النور: ٣٧] وكأنه قيل: من يسبح؟ فقيل: رجال.
﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ﴾ [النور: ٣٧] لا تشغلهم تجارة، ﴿وَلا بَيْعٌ﴾ [النور: ٣٧] قال الفراء: التجارة لأهل الجلب، والبيع ما باعه الرجل على يديه.
وخص قوم التجارة ههنا بالشراء لذكر البيع بعدها.
﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور: ٣٧] عن حضور المساجد لإقامة الصلوات، قال الثوري: كانوا يشترون ويبيعون ولا يدعون الصلوات في الجماعات في المساجد.
﴿وَإِقَامِ الصَّلاةِ﴾ [النور: ٣٧] أدائها لوقتها واتمامها، وإنما ذكر إقامة الصلاة بعد قوله: ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور: ٣٧] والمراد به الصلاة


الصفحة التالية
Icon