بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ ﴿٤٣﴾ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ ﴿٤٤﴾ } [النور: ٤٣-٤٤] ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا﴾ [النور: ٤٣] يسوقه سوقا رقيقا، ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ [النور: ٤٣] يضم بعضه إلى بعض، أي: يجعل القطع المتفرقة منه قطعة واحدة، ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾ [النور: ٤٣] يجعل بعضه يركب بعضا، ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ [النور: ٤٣] القطر والمطر، قال الليث: الودق المطر كله شديده وهينه.
﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ﴾ [النور: ٤٣] جمع خلل وهو مخارج القطر، وقوله: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾ [النور: ٤٣] أي: من جبال في السماء، وتلك الجبال من برد، قال ابن عباس: أخبر الله أن في السماء جبالا من برد.
ومفعول الإنزال محذوف، والتقدير وينزل من السماء من جبال من برد فيها بردا، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه، ومن الأولى لابتداء الغاية، لأن ابتداء الإنزال من السماء، والثانية للتبعيض، لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي في السماء، والثالثة لتبيين الجنس، لأن جنس تلك الجبال التي في السماء جنس البرد، ﴿فَيُصِيبُ بِهِ﴾ [النور: ٤٣] بالبرد، ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: ٤٣] فيضره في زرعه وثمرته، ﴿وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: ٤٣] فلا يضره في زرعه وثمرته، ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ﴾ [النور: ٤٣] يقرب ضوء برق السحاب من أن يذهب بالبصر ويخطفه لشدة لمعانه كما قال: ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٠] والسنا: الضوء، مثل سنا النار، وسنا البدر، وسنا البرق.
وقال السدي: يكاد ضوء البرق يلتمع البصر فيذهب به.
قوله: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [النور: ٤٤] يعني: يأتي بالليل ويذهب بالنهار ويأتي بالنهار ويذهب بالليل.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [النور: ٤٤] التقليب، ﴿لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ﴾ [النور: ٤٤] لدلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله وتوحيده.
٦٦٤ - أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْمُزَكِّي، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا الحُمَيْدِيُّ، سُفْيَانُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ اللَّهُ: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِيَ الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»
﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {٤٥﴾ لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿٤٦﴾ } [النور: ٤٥-٤٦] قوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ﴾ [النور: ٤٥] يعني: كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل الجن والملائكة، لأنا لا نشاهدهم.
وقوله: ﴿مِنْ مَاءٍ﴾ [النور: ٤٥] أي: من نطفة، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ [النور: ٤٥] كالحيات والهوام والحيتان، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ [النور: ٤٥] كالإنسان والطير، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [النور: ٤٥] كالبهائم والأنعام، قال المبرد: قوله: كل دابة للناس وغيرهم، إذا اختلط النوعان حمل الكلام على الأغلب، لذلك قال: من لغير ما يعقل.
ثم ذكر قدرته على خلق ما يريد، فقال: ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {٤٥﴾ لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} [النور: ٤٥-٤٦] يعني، القرآن، أي هو المبين للهدى والأحكام، ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النور: ٤٦] يعني: الإسلام الذي هو دين الله وطريقه إلى رضاه وجنته.
ثم ذكر أهل النفاق وشكهم في الدين، فقال: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ {٤٧﴾ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ﴿٤٨﴾ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴿٤٩﴾ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٥٠﴾ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ


الصفحة التالية
Icon