ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿١١﴾ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿١٢﴾ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴿١٣﴾ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴿١٤﴾ } [النمل: ٧-١٤] قوله: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ﴾ [النمل: ٧] قال الزجاج: موضع إذ نصب، والمعنى: اذكر إذ قال موسى.
أي: اذكر قصته إذ قال لأهله لامرأته: ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [النمل: ٧] أبصرتها، ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ [النمل: ٧] عن الطريق، وكان قد تحير وترك الطريق، فإن لم أجد أحدا يخبرني عن الطريق آتيكم بشعلة نار، وهو قوله: ﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ [النمل: ٧] والشهاب أصل خشبة فيها نار ساطع، وتفسير القبس قد سبق، وقرئ بشهاب قبس بالتنوين والإضافة، قال الزجاج: من نون جعل قبس من صفة الشهاب.
ومن أضاف، فقال الفراء: هو مما يضاف إلى نفسه إذا اختلفت الأسماء، كقوله: والدار الآخرة.
وقوله: لعلكم تصطلون لكي تصطلوا من البرد، وكان ذلك في شدة الشتاء، يقال: صلي بالناء واصطلى بها إذا استدفأ.
﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] أي: بورك على من في النار، أو فيمن في النار، قال الفراء: العرب تقول: باركه الله، وبارك عليه، وبارك فيه، بمعنى واحد، والتقدير من في طلب النار، وهو موسى، فحذف المضاف، وهذا تحية من الله عز وجل لموسى بالبركة، كما حيا إبراهيم بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود: ٧٣] ومذهب المفسرين أن المراد بالنار هو النور، وذلك أن موسى رأى نورا عظيما فظنه نارا، لذلك ذكر بلفظ النار، ومن في النار هم الملائكة، وذلك أن النور الذي رأى موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتسبيح والتقديس.
ومن حولها هو موسى، لأنه كان بالقرب منها، ولم يكن فيها، والله تعالى نادى موسى لما توجه إلى النار بأنه قد بارك فيه وفي الملائكة الذين كانوا في ذلك النور الذي رآه.
ثم نزه نفسه، فقال: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٨].
ثم أخبر الله موسى عن نفسه، وتعرف إليه بصفاته وذاته، فقال: ﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل: ٩] والكناية في إنه للشأن والأمر، أي: إن الشأن والأمر أن المعبود أنا.
وقال الفراء: هذه الهاء عماد، وهو اسم لا يظهر.
ثم أراه على قدرته ليشاهد من قدرة الله ما لم يشاهده قبل، وهو قوله: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ [النمل: ١٠] وفي الآية محذوف تقديره فألقاها فصارت حية، فلما رءاها تهتز كأنها جان قال الزجاج: صارت العصا تتحرك كما يتحرك الجان، وهو الحية الأبيض، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها، وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها، وقوله: ولى مدبرا أي: من الخوف من الحية، ولم يعقب يرجع، يقال: عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب.
وأهل التفسير يقولون: لم يقف ولم يلتفت.
فقال الله: ﴿يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠] قال ابن عباس: لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي، والمعنى: لا يخيف الله الأنبياء، أي: إذا أمنهم لا يخافونه، فكيف تخاف الحية، نهي عن الخوف من الحية، ونبه على أمن المرسلين عند الله، ليعلم أن من آمنه الله من عذابه بالنبوة لا يستحق أن يخاف الحية.
ثم قال: ﴿إِلا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النمل: ١١] يعني أذنب وظلم نفسه


الصفحة التالية
Icon