أَحْمَدُ بْنُ كَثِيرٍ الْوَاسِطِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَامَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالُوا: أَنْتَ ابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: أَنْتَ ابْنُ عَمِّ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَالسَّفِيرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ جِبْرِيلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، قَالُوا: فَإِنَّا قَوْمٌ قَدْ قَرَأْنَا الْكُتُبَ وَعَرَفْنَا مَا فِيهَا، وَنَحْنُ سَائِلُونَ عَنْ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْتَ أَخْبَرْتَنَا بِهَا آمَنَّا وَصَدَّقْنَا، قَالَ: سَلُونِي تَفَقُّهًا، وَلا تَسْأَلُونِي تَفَنُّنًا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا لِي فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» فَعَلِمْتُ أَنَّ دَعْوَةَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَلْحَقُنِي، سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا يَقُولُ٤، وَالزُّرْزُورِ، وَالدُّرَّاجُ، وَالدِّيكُ فِي صَقِيعِهِ، وَالْحِمَارُ فِي نَهِيقِهِ، وَالضِّفْدِعُ فِي نَقِيقِهِ، وَالْفَرَسُ فِي صَهِيلِهِ، قَالَ: نَعَمْ، أُخْبِرُكُمْ؛ أَمَّا الْقُنْبُرُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي صَفِيرِهِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا الزُّرْزُورُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قُوتَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ يَا رَازِقُ، وَأَمَّا الدُّرَّاجُ فَيَقُولُ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَأَمَّا الدِّيكُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: اذْكُرُوا اللَّهَ يَا غَافِلِينَ، وَأَمَّا الضِّفْدِعُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي نَقِيقِهِ: سُبْحَانَ الْمَعْبُودِ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، وَأَمَّا الْحِمَارُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي نَهِيقِهِ: اللَّهُمَّ الْعَنِ الْعَشَّارَ، وَأَمَّا الْفَرَسُ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي صَهِيلِهِ إِذَا الْتَقَتِ الْفِئَتَانِ وَمَشَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، قَالُوا: يَابْنَ عَبَّاسٍ، نَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلامُهُمْ، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْطِقُ الطَّيْرِ كَلامُ الطَّيْرِ، فَجَعَلَهُ كَمَنْطِقِ الرَّجُلِ إِذَا فَهِمَ
وأنشد قول حميد بن ثور:
عجبت أنى يكون عناؤها فصيحا | ولم يقر بمنطقها فما |
وقال مقاتل: يعني الملك والنبوة والكتاب، وتسخير الرياح، وسخرة الجن والشياطين، ونطق الطير.
إن هذا الذي أعطينا، ﴿لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل: ١٦] الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا.
قوله: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ﴾ [النمل: ١٧] أي: جمع له جموعه وكل صنف من الخلق جند على حدة، يدل عليه قوله: ﴿مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ﴾ [النمل: ١٧] قال المفسرون: كان سليمان إذا أراد سفرا أمر فجمع طوائف من هولاء الجنود على بساط واحد، ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض.
والمعنى: وجمع لسليمان جنوده في مسير له، قال محمد بن كعب: بلغنا أن سليمان بن داود عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس، وخمسة وعشرون منها للجن، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بيت من قوابر على الخشب فيها ثلاث مائة كتيبة وسبع مائة سرية، فيأمر الريح العاصفة فترفعه، ويأمر الرخاء فتسير به، فأوحى الله إليه وهو