يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح فأخبرتك به، وقوله: فهم يوزعون قال قتادة: على صنف من جنوده وزعة ترد أولاهم على أخراهم، يعني: ليجتمعوا ويتلاحقوا وهو من الوزع الذي هو الكف، يقال: وزعته أزعه وزعا، والشيب وازع، أي مانع، قال الليث: والوازع في الحرب الموكل بالصفوف، يزع ما تقدم منهم.
﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ﴾ [النمل: ١٨] أي أشرفوا عليه، قال كعب: هو بالطائف.
وقال قتادة، ومقاتل: هو بالشام.
قالت نملة أي: صاحت بصوت خلقه الله لها، ولما كان ذلك الصوت مفهوما لسليمان عبر عنه بالقول.
قال أهل المعاني: ومعرفة النملة معجزة له، ألهمها الله معرفته حتى عرفته وحذرت النمل حطمه، وهو قولها: ﴿يَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ [النمل: ١٨] والنمل تعرف كثيرا من منافعها من ذلك، إنها تكسر الحبة بقطعتين لئلا تنبت إلا الكزبرة فإنها تكسر بأربع قطع لأنها تنبت إذا كسرت بقطعتين، فالذي هداها إلى هذا هو الذي ألهمها معرفة سليمان، ومعنى لا يحطمنكم لا يكسرنكم، والحطم الكسر، والحطام ما تحطم، وقوله: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨] أي: بحطمكم ووطئكم.
قال مقاتل: قد علمت النملة إنه ملك لا بقي فيه، وإنه إن علم بها قبل أن يغشاها لم يتوطأها، لذلك قالت: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ١٨] وهذا يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الأرض، ولم تحملهم الريح، لأن الريح لو حملتهم بين السماء والأرض ما خافت النمل أن يتواطأها بأرجلهم، ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان، قال المفسرون: طارت الريح بكلام النملة فادخلته أذن سليمان، فلما سمع كلامها تبسم، وذلك قوله: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾ [النمل: ١٩] قال الزجاج: أكثر ضحك الأنبياء عليهم السلام التبسم، وضاحكا حال، ومعناه متبسما، وليس المراد بلفظ الضحك أكثر من التبسم، وسبب ضحك سليمان عليه السلام من قول النملة التعجب، وذلك أن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك.
وقال مقاتل: ثم حمد ربه حين علمه منطق كل شيء وسمع كلام النملة.
﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ [النمل: ١٩] أي ألهمني، ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ [النمل: ١٩] يقال: فلان موزع بكذا، أي مولع به، وقوله: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩] أي: أدخلني في جملتهم، وأثبت اسمي مع أسمائهم، واحشرني في زمرتهم، قال ابن عباس: يريد مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ومن بعدهم من النبيين.
قوله: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ {٢٠﴾ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴿٢١﴾ } [النمل: ٢٠-٢١] وتفقد الطير التفقد: طلب ما غاب عنك، والطير اسم جامع للجنس، وكانت الطير تصحب سليمان في سفره، تظله بأجنحتها، والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير، ﴿فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ [النمل: ٢٠] أي: ما للهدهد لا أراه، يقول العرب: ما لي أراك كئيبا؟ معناه ما لك، ولكنه من القلب الذي يوضحه المعنى، والهدهد طائر معروف.
قال مجاهد: سئل ابن عباس: كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ فقال: إن سليمان نزل منزلا ولم يدر ما بعد الماء، وكان الهدهد يدله على الماء إذا أراد أن ينزل، فلما فقده سأل عنه، وذلك أن الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزجاجة.
٦٨٧ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، نا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، نا أَبُو الْمُعَلَّى