يعلنون بألسنتهم، وقرأ الكسائي بالتاء لأن أول الآية خطاب على قراءته بتخفيف الآيات اسجدوا كذلك آخر الآية.
﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل: ٢٦] أي: هو الذي يستحق العبادة لا غيره، وهو رب العرش العظيم، لا ملكة سبأ، لأن عرشها، وإن كان عظيما، لا يبلغ عرش الله في العظمة، فلما فرغ الهدهد من كلامه.
﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {٢٧﴾ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾ قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾ } [النمل: ٢٧-٣١] قال سليمان للهدهد: سننظر فيما حدثتنا من هذا القصة، أصدقت فيما قلت، ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧].
ثم كتب سليمان كتابا، وختمه بخاتمه، ودفعه إلى الهدهد، فذلك قوله تعالى فيما قلت: ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨] يعني: إلى أهل سبأ، ﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [النمل: ٢٨] قال مقاتل: يغرب عنهم.
وهذا على التقديم والتأخير، والتقدير فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم لأن التولي عنهم بعد الجواب، ومعنى ﴿فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨] ماذا يردون من الجواب.
فمضى الهدهد بالكتاب، فألقاه إليهم، فقالت: ﴿يَأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] قال قتادة: أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها، فألقى الكتاب على نحرها، فقرأت الكتاب، وأخبرت قومها، وقالت: ألقي إلي كتاب كريم.
قال عطاء، والضحاك: سمته كريما لأن كان مختوما.
وهو قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير يدل على صحة هذا التفسير.
٦٨٩ - مَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّلِيطِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِكْرَامُ الْكِتَابِ خَتْمُهُ
وقال قتادة، ومقاتل: كتاب كريم: حسن.
وهو اختيار الزجاج، قال: حسن ما فيه.
ثم بينت ممن الكتاب، فقالت: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٣٠] أي أن الكتاب من عنده، وإنما وإن المكتوب فيه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} [النمل: ٣٠-٣١] قال ابن عباس: لا تتكبروا علي.
والمعنى: لا تترفعوا عليّ وأتوني مسلمين منقادين طائعين، قال قتادة: وكذلك كانت الأنبياء تكتب جملا لا تطيل، يعني أن هذا القدر الذي ذكره الله كان كتاب سليمان.
ثم أرسلت إلى قومها فاجتمعوا إليها فاستشارتهم.
﴿قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ {٣٢﴾ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴿٣٣﴾ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً


الصفحة التالية
Icon