وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿٣٤﴾ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴿٣٥﴾ } [النمل: ٣٢-٣٥] و ﴿قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ﴾ [النمل: ٣٢] تعني: الأشراف، وكانوا ثلاث مائة عشر قائدا، وهم أهل مشورتها، ﴿أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾ [النمل: ٣٢] أشيروا عليّ وبينوا لي ما أعمل، ﴿مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا﴾ [النمل: ٣٢] فاعلته وقاضيته، حتى تشهدون تحضروني، أي: إلا بحضوركم ومشورتكم.
قالوا مجيبين: ﴿نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ﴾ [النمل: ٣٣] أي: في الأبدان، في معنى قول ابن عباس، وفي قول مقاتل: أرادوا كثرة العدد.
﴿وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [النمل: ٣٣] يعني: الشجاعة في الحرب، ذكروا لها قوتهم وشجاعتهم وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك، ثم قالوا: والأمر إليك أي: في القتال وتركه، فانظري من الرأي، ماذا تأمرين ماذا تشيرين علينا.
قالت مجيبة لهم عن التعريض بالقتال ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ [النمل: ٣٤] قال الزجاج: أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أفسدوها، أي: أهلكوها وخربوها.
﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤] أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر، ومعنى الآية أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم، وانتهى الخبر عنها، وصدقها الله فيما قالت، فقال: وكذلك يفعلون أي: وكما قالت هي يفعلون.
ثم قالت: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ [النمل: ٣٥] قال السدي: تختبر بذلك سليمان لتعرف أملك هو أم نبي؟ فبعثت إليه بغلمان وجوار في قول أكثر المفسرين، قال ابن عباس: مائة وصيف ومائة وصيفة.
وقال مقاتل، ومجاهد: مائتي غلام ومائتي جارية.
وقال قتادة، وسعيد بن جبير: أرسلت بلبنة من ذهب في حرير وديباج.
﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥] بقبول أم رد.
﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ {٣٦﴾ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴿٣٧﴾ } [النمل: ٣٦-٣٧] ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٣٦] أي: جاء الرسول سليمان، ﴿قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ [النمل: ٣٦] أي: أتزيدونني مالا؟ وهذا استفهام إنكار، يعني أنه لا يحتاج إلى مالهم لأن الله أعطاه ما هو خير من ذلك، وهو قوله: ﴿فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ﴾ [النمل: ٣٦] أي: من الإسلام والنبوة والملك، ﴿خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ﴾ [النمل: ٣٦] من المال، ﴿بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ [النمل: ٣٦] يعني: إذا أهدى بعضكم إلى بعض، وأما أنا فلا أفرح بها.
ثم قال سليمان للرسول: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ [النمل: ٣٧] أي: لا طاقة لهم بها، ولنخرجنهم منها من سبأ وهي قريتهم، ﴿أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧].
فلما رجع إليها الرسول قالت: قد عرفت ما هذا بملك، ومالنا به من طاقة.
فتجهزت للمسير إليه، وأخبر جبريل سليمان أنها خرجت من اليمن مقبلة إليه.
﴿قَالَ يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ {٣٨﴾ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴿٣٩﴾ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴿٤٠﴾ } [النمل: ٣٨-٤٠]


الصفحة التالية
Icon