تلد فاتخذت موسى ولدا لها.
وقوله: ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] أخبر الله أن هلاكهم بسببه وهم لا يشعرون بذلك.
﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {١٠﴾ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴿١١﴾ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴿١٢﴾ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴿١٣﴾ } [القصص: ١٠-١٣] ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠] أي: خاليا من الصبر والحزن لشدة الوجد به والخوف عليه، والمفسرون يقولون: فارغا من كل شيء إلا من أمر موسى، كأنها لم تهتم لشيء مما يهتم به الحي إلا لأمر ولدها.
﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] كادت تخبر أن هذا الذي وجدتموه في التابوت هو ابني، وقال سعيد بن جبير: كادت تقول: واإبناه، من شدة الجزع.
وقال مقاتل: كادت تصيح شفقة عليه من الفرق.
والمعنى أنها همت أن تشعر أهل مصر بأن موسى ولدها.
﴿لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص: ١٠] بالصبر واليقين، قال الزجاج: ومعنى الربط على القلب إلهام الصبر وتقويته.
ذكرنا ذلك عند قوله: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ [الأنفال: ١١].
﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠] المصدقين بوعد الله حين قال لها: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ [القصص: ٧].
وقالت لأخته لأخت موسى: قصيه اتبعي أثره وانظري أين وقع وإلى من صار، واعلمي علمه، يقال: قصصت الشيء إذا تتبعت أثره متعرفا حاله قصا وقصصا.
فبصرت به أبصرته، عن جنب عن بعد تبصره ولا تتوهم أنها تراه، قال الفراء: كانت على شاطئ البحر حين رأت آل فرعون قد التقطوه وهم لا يعلمون أنها أخته، وأنها ترقبه.
قال ابن عباس: إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد له مرضعة تأخذه منها، فكلما أتوه بمرضعة لم يأخذ ثديها، فذلك قوله: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ [القصص: ١٢] وهي جمع مرضعة.
قال سعيد بن جبير: لا يؤتى بمرضع فيقبلها.
وقوله: من قبل أي: من قبل أن يرده إلى أمه، ومن قبل أن تأتيه أمه، وذلك أن الله تعالى أراد أن يرده إلى أمه، فمنعه من قبول ثدي المراضع، فلما تعذر عليهم رضاعته فقالت أخته: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ [القصص: ١٢] أي: يضمنون لكم القيام به ورضاعه، ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] يشفقون عليه وينصحونه، قالوا لها: من؟ قالت: أمي.
قالوا: ولأمك لبن؟ قالت نعم، لبن هارون.
وكان هارون ولد في سنة لا يقتل فيها صبي، فقالوا: صدقت.
فدلتهم على أم موسى، فدفع إليها تربيه، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها، وأتم الله لها ما وعدها، وهو قوله: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ [القصص: ١٣] بولدها، ولا تحزن لفراقه، ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ [القصص: ١٣] برد ولدها إليها، حق علم وعيان ومشاهدة، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص: ١٣] أن الله وعدها رده إليها.
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {١٤﴾ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴿١٥﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي