أعرضوا عنه فلم يردوا، ﴿وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ [القصص: ٥٥] قال مقاتل: لنا ديننا ولكم دينكم، وذلك أنهم عيروهم بترك دينهم.
وقال السدي: لما أسلم عبد الله بن سلام جعل اليهود يشتمونه، وهو يقول: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥] قال الزجاج: لم يرد والتحية.
والمعنى أنهم قالوا: بيننا وبينكم المتاركة والسلام، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال، وكأنهم قالوا: أسلمتم منا لا نعارضكم بالشتم.
ومعنى قوله: ﴿لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٥] قال مقاتل: لا نريد أن تكون من أهل الخبل والسفه.
وقال الكلبي: لا نحب الذي أنتم عليه.
ويكون التقدير لا نبتغي دين الجاهلين.
قوله: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {٥٦﴾ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴿٥٧﴾ } [القصص: ٥٦-٥٧] ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦]
٧٠٢ - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ، نا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، نا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أنا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: " يَا عَمِّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةٌ أَحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَهِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعَاوِدَانِهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ: أَنَا عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، تَعَالَى، فِي أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
٧٠٣ - حَدَّثَنَا الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، نا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، نا عَبْدُ الرَّحْمِن بْنُ بِشْرٍ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، نا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَمِّهِ: " قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "، قَالَ: لَوْلا أَنْ تُعَيِّرَنِي نِسَاءُ قُرَيْشٍ؛ تَقُلْنَ: إِنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ الْمُفَسِّرِينَ؛ أَجْمَعُوا أَنَّ الآيَةَ نَزَلْت فِي أَبِي طَالِبٍ.
قال الزجاج: ابتداء نزولها بسبب أبي طالب، وهي عامة، لأنه لا يهدي إلا الله عز وجل، ولا يرشد ولا يوفق إلا هو.
وقوله:﴾ مَنْ أَحْبَبْتَ ﴿ [القصص: ٥٦] يكون على معنيين: أحدهما للقربة، والآخر أحببت أن يهتدي.
﴾ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي ﴿ [القصص: ٥٦] يرشد، من يشاء لدينه،﴾ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ { [القصص: ٥٦] قال مجاهد، ومقاتل: ممن قدر له الهدى.