وقوله:} وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴿ [القصص: ٥٧] قال المفسرون: قالت قريش لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن اتبعناك على دينك خفنا العرب على أنفسنا أن يخرجونا من أرضنا مكة إن تركنا ما يعبدون، ومعنى التخطف الانتزاع بسرعة، قال الله تعالى:﴾ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا ﴿ [القصص: ٥٧] ذا أمن يأمن فيه الناس، وذلك أن العرب كانت تغير بعضهم على بعض، وأهل مكة آمنون في الحرم من القتل والسبي والغزو، أي: فكيف يخافون إذا أسلموا وهم في حرم آمن، كما قال:﴾ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴿ [العنكبوت: ٦٧] قال الفراء: يقول: أو لم نسكنهم حرما يخاف من دخله، فكيف يخافون العرب.
ومعنى﴾
أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا ﴿ [القصص: ٥٧] : أو لم نجعله مكانا لهم.
وقوله:﴾
يُجْبَى إِلَيْهِ ﴿ [القصص: ٥٧] يجمع، من قولك: جبيت الماء في الحوض، أي جمعت.
وقرئ تجبى بالتاء لحيلولة الحرف بين الاسم المؤنث والفعل، كقولهم: حضر القاضي اليوم امرأة.
قال مقاتل: يحمل إلى الحرم.
ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴿ [القصص: ٥٧] من مصر والشام، واليمن والعراق،﴾ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ﴿ [القصص: ٥٧] رزقناهم رزقا من عندنا، ولكن أكثرهم يعني: أهل مكة، لا يعلمون أنا فعلنا ذلك.
ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال:﴾
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴿٥٨﴾ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴿٥٩﴾ ﴿ [القصص: ٥٨-٥٩] ﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴿ [القصص: ٥٨] قال الزجاج: البطر الطغيان عند النعمة.
والمعنى: بطرت في معيشتها.
قال عطاء: عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام.
وقوله:﴾
فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا ﴿ [القصص: ٥٨] قال ابن عباس: لم يسكنها إلا المسافرون، وماروا الطرق يوما أو ساعة.
والمعنى: لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا،﴾
وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴿ [القصص: ٥٨] يعني: لم يخلفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم، فبقيت خرابا غير مسكونة، كقوله:﴾ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا ﴿ [مريم: ٤٠] وقد مر.
قوله:﴾
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى ﴿ [القصص: ٥٩] يعني القرى الكافر أهلها،﴾ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا ﴿ [القصص: ٥٩] في أعظمها، رسولا ينذرهم، وخص الأعظم ببعثه الرسول فيها لأن الرسول إنما يبعث إلى الأشراف، وأشراف القوم وملوكهم يسكنون المدائن والمواضع التي هي أم ما حولها، وقوله:﴾ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴿ [القصص: ٥٩] قال مقاتل: يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا.
وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴿ [القصص: ٥٩] قال عطاء: يريد بظلمهم أهلكتهم، وظلمهم شركهم.
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴿٦٠﴾ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿٦١﴾ ﴿ [القصص: ٦٠-٦١] ﴾ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴿ [القصص: ٦٠] الخطاب لكفار مكة، يقول: ما أعطيتم من خير ومال،﴾ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا


الصفحة التالية
Icon