﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ {٥٠﴾ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٥١﴾ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٥٢﴾ } [العنكبوت: ٥٠-٥٢] ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ [العنكبوت: ٥٣] استهزاء وتكذيبا منهم بذلك، ﴿وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ [العنكبوت: ٥٣] لعذابهم، وهو يوم القيامة، وقال الضحاك: يعني مدة أعمارهم، لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب.
﴿لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٣] بإتيانه.
ثم ذكر أن موعد عذابهم النار، فقال: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤] جامعة لهم، يوم يغشاهم يعلوهم، ﴿الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٥٥] كقوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: ٤١].
ويقول بالياء يعني: الموكل بعذابهم، يقول لهم: ذوقوا ومن قرأ بالنون، فلأن ذلك لما كان بأمره سبحانه جاز أن ينصب، ومعنى ﴿مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥] أي: جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب.
قوله: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {٥٦﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٥٧﴾ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿٥٨﴾ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٥٩﴾ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦٠﴾ } [العنكبوت: ٥٦-٦٠] ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ [العنكبوت: ٥٦] قال مقاتل: نزلت في ضعفاء المسلمين بمكة، يقول: إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان، فاخرجوا منها.
قال الزجاج: أمروا بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله، وكذلك يجب على من كان في بلدة يعمل فيها بالمعاصي، ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له أن يعبد الله حق عبادته.
ثم خوفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة، فقال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [العنكبوت: ٥٧] أي: كل أحد ميت أينما كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت، ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٧] بعد الموت، فنجزيكم بأعمالكم.
ثم ذكر ثواب من هاجر، فقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العنكبوت: ٥٨] يعني المهاجرين، ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ [العنكبوت: ٥٨] قال ابن عباس: لنسكنهم غرف الدر والزبرجد والياقوت، ولننزلنهم قصور الجنة.
وقرأ حمزة لنثوينهم، قال الزجاج: يقال: ثوى الرجل إذا أقام، وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه، قال الأخفش: ولا تعجبني هذه القراءة لأنك لا تقول أثويته الدار بل تقول في الدار وليس في الآية حرف جر في، المفعول الثاني، وقال أبو علي الفارسي: هو على إرادة حرف الجر، ثم حذف كما يقال: أمرتك الخير، أي بالخير، ثم وصف تلك الغرف، فقال: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [العنكبوت: ٥٨] لا يموتون، ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٦] لله غرف.
ثم وصفهم، فقال: الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه لشدة لحقتهم، {وَعَلَى


الصفحة التالية
Icon