عبيدكم فيما رزقناكم شرع سواء؟ تخافونهم أي: يشاركونكم فيما ترثونه من آبائكم، كخيفتكم أنفسكم كما يخاف الرجل الحر شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه دونه بأمر، فكما يخاف الرجل شريكه في الميراث أن يشاركه، لأنه يحب أن ينفرد به، فهو يخاف شريكه كما أن يرثه عصبته من ذريته، يعني أن هذه الخيفة لا تكون بين المالكين والمملوكين كما بين الأحرار، ومعنى أنفسكم ههنا أمثالكم من الأحرار، كقوله: ﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١]، وكقوله: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] أي: بأمثالهم من المؤمنين، قال صاحب النظم: وهذا مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء، فقال: هل يرضى أحد منكم أن يكون عبده شريكا له في ماله وولده حتى يكون هو ومملوكه سواء يخاف غيره من شريك لو كان له فيه شركه، فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي فجعلتموهم شركاء لي.
كذلك كما بينا في ضرب المثل من أنفسكم، ﴿نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الروم: ٢٨] عن الله.
ثم بين لهم أنهم إنما اتبعوا فيما أشركوا به الهوى، فقال: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الروم: ٢٩] أشركوا بالله، أهواءهم في الشرك، بغير علم يعلمونه جاءهم من الله، ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ [الروم: ٢٩] أي: لا هادي لمن أضله الله، وهذا يدل على أنهم إنما أشركوا بإضلال الله إياهم عن الحق، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم: ٢٩] مانعين من عذاب الله، قاله مقاتل.
ثم أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتوحيده، فقال: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {٣٠﴾ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٣١﴾ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿٣٢﴾ } [الروم: ٣٠-٣٢] ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ [الروم: ٣٠] أي: أخلص دينك، وهو قول سعيد بن جبير.
وقال غيره: سدد عملك.
والوجه: ما يتوجه إليه، وعمل الإنسان ودينه ما يتوجه إليه لتسديده وإقامته، حنيفا مائلا إليه مستقيما عليه، لا ترجع عنه إلى غيره، وقوله: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] فطرة الله: الملة، وهي الإسلام والتوحيد الذي خلق الله عليه المؤمنين، هذا قول المفسرين في فطرة الله.
والمراد بالناس ههنا المؤمنون الذين فطرهم الله على الإسلام، لأن المشرك لم يفطر على الإسلام، ولفظ الناس عام، والمراد به الخصوص وانتصابها بالإغراء، وهو قول الزجاج، قال: فطرة الله منصوب بمعنى اتبع فطرة الله.
﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] قال مجاهد، وإبراهيم: لا تبديل لدين الله.
وهي نفي معناه النهي، أي: لا تبدلوا دين الله الذي هو التوحيد بالشرك والكفر، ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: ٣٠] يعني التوحيد، وهو الدين المستقيم، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٠] يعني: كفار مكة، لا يعلمون توحيد الله.
قوله: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ [الروم: ٣١] قال الزجاج: زعم جميع النحويين أن معنى هذا فأقيموا وجوهكم منيبين، لأن مخاطبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل فيها الأمة، والدليل على ذلك قوله: {