قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ﴾ [لقمان: ٢٠] يعني: الشمس والقمر، والنجوم والسحاب والرياح، ﴿وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [لقمان: ٢٠] يعني: الجبال، والأنهار والبحار، والأشجار والنبت عاما بعام، قال الزجاج: ومعنى تسخيرها للآدميين الانتفاع بها.
وأسبغ عليكم أوسع وأكمل، يقال: سبغت النعمة إذا تمت وأسبغها الله، وقوله: نعمة وقرئ نعمه جمعا، ومعنى القراءتين واحد، لأن المفرد يدل على الكثرة كقوله: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨].
وقوله: ﴿ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠]
٧٢٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، نا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، نا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ، نا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ؛ فَقَالَ: هَذِهِ مِنْ مَخْزُونِي الَّذِي سَأَلْتُ عَنْهَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ؟ فَقَالَ: " يَابْنَ عَبَّاسٍ، أَمَّا مَا ظَهَرَ؛ فَالإِسْلامُ، وَمَا سَوَّى اللَّهُ مِنْ خَلْقِكَ، وَمَا فَضُلَ عَلَيْكَ مِنَ الرِّزْقِ، وَأَمَّا مَا بَطُنَ؛ فَسَتْرُ مَسَاوِئِ عَمَلِكَ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ بِهِ، يَابْنَ عَبَّاسٍ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ثَلاثَةٌ جَعَلْتُهُنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ: صَلاةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَجَعَلْتُ لَهُ قِلَّةَ مَالِهِ أُكَفِّرُ بِهِ عَنْهُ خَطَايَاهُ، وَالثَّالِثَةُ: سَتَرْتُ مَسَاوِئَ عَمَلِهِ فَلَمْ أَفْضَحْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ أَبْدَيْتُهَا عَلَيْهِ لَنَبَذَهُ أَهْلُهُ فَمَنْ سِوَاهُمْ
وقال عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنه: الظاهرة: الإسلام والقرآن، وبالباطنة: ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة.
وقال الضحاك: الباطنة المعرفة، والظاهرة: حسن الصورة، وامتداد القامة، وتسوية الأعضاء.
وقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [لقمان: ٢٠] مفسر في ﴿ [الحج وال: الثانية مفسرة في سورة البقرة وكذلك الثالثة.
وقوله:] وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ﴾ [لقمان: ٢٣] فلا تهتم لكفره، فإن رجوعهم إلينا وحسابهم علينا، وهو قوله: ﴿إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا﴾ [لقمان: ٢٣] نخبرهم بقبائح أعمالهم، لأنها أثبت عليهم.
نمتعهم قليلا يعني: أيام حياتهم إلى انقضاء آجالهم، نمتعهم بما أعطوا من الدنيا، ثم نضطرهم في الآخرة، أي نلجئهم، ﴿إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤] هو عذاب النار، لا يجدون عنها محيصا ولا ملجأ.
وما بعد هذا مفسر فيما تقدم إلى قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {٢٧﴾ مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴿٢٨﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿٢٩﴾ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ