تتذكرون أفلا تتدبرون هذا فتؤمنوا.
قوله: يدبر الأمر يعني: أمر الدنيا، يدبره الله عز وجل مدة أيام الدنيا، فينزل القضاء والقدر ﴿مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ [السجدة: ٥] قال ابن عباس: يرجع إليه.
والمعنى: يعود الأمر والتدبير حتى ينقطع أمر الأمراء وأحكام، وينفرد الله تعالى بالأمر، ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة: ٥] قال ابن عباس: يريد أن يوما من أيام الآخرة مثل ألف سنة.
مما تعدون من أيام الدنيا، وأراد بهذا اليوم يوم القيامة، وهذا كقوله: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧] وقد مر ذلك.
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [السجدة: ٦] أي: ذلك الذي صنع ما ذكر من خلق السموات والأرض عالم ما غاب عن الخلق وعالم ما حضر، العزيز المنيع في ملكه، الرحيم بأهل طاعته.
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ {٧﴾ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴿٨﴾ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ ﴿٩﴾ } [السجدة: ٧-٩] ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] يعني: أحسن خلق كل شيء، قال مقاتل: علم كيف تخلق الأشياء من غير أن يعلمه أحد.
وقال السدي: أحسنه لم يتعلمه من أحد، والإحسان العلم.
يقال: فلان يحسن كذا إذا علمه.
قال صاحب النظم: بيان ذلك أنه لما طول رجل البهيمة والطائر طول عنقه لئلا يتعذر عليه ما لا بد له من قوته، ولو تفاوت ذلك لم يكن له معاش، وكذلك كل شيء من أعضاء الحيوان مقدر لما يصلح به معاشه.
وقرئ خلقه بفتح اللام، وهو صفة للنكرة التي هي شيء، والمعنى: أتقن وأحكم كل شيء خلقه، قال ذلك الكلبي، ومجاهد.
﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: ٧] يعني آدم، كان أوله طينا.
﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ [السجدة: ٨] ولده وذريته، من سلالة تقدم تفسيرهما، ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٨] ضعيف، يعني النطفة.
ثم رجع إلى آدم، فقال: ثم سواه سوى خلقه، ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة: ٩] ثم عاد إلى ذريته، فقال: وجعل لكم يعني: من بعد أن كنتم نطفا، ﴿السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: ٩] يعني أنهم لا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه.
﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ {١٠﴾ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿١١﴾ } [السجدة: ١٠-١١] وقالوا يعني: منكري البعث: ﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] هلكنا وصرنا ترابا فلم يبق شيء من خلقنا، ومعنى الضلال في اللغة الغيبوبة، يقال: ضل الماء في اللبن، وضل الميت في التراب إذا بطل.
﴿أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠] استفهام إنكار أنكروا إعادتهم بعد الموت، قال الله تعالى: بل هم يعني: ﴿بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ [السجدة: ١٠] أي بالبعث.
قوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة: ١١] أي: يقبض أرواحكم أجمعين، ﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة: ١١] قال ابن عباس: وكل بقبض أرواحكم.
٧٣١ - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، نا ابْنُ وَهْبٍ، نا أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: لَقِيَ جِبْرِيلُ مَلَكَ الْمَوْتِ بِنَهْرٍ بِفَارِسَ، فَقَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، كَيْفَ