قولك: أتيت الخير، أي فعلته.
﴿وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: ١٤] قال قتادة: وما احتسبوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا.
ثم ذكرهم الله تعالى عهدهم مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالثبات في المواطن، فقال: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأحزاب: ١٥] من قبل الخندق، ﴿لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ﴾ [الأحزاب: ١٥] من قبل الخندق، لا ينهزمون ولا يولون العدو ظهورهم، ﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا﴾ [الأحزاب: ١٥] يسألون عنه في الآخرة.
ثم أخبر أن الفرار لا يزيدهم في آجالهم، فقال: ﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ﴾ [الأحزاب: ١٦] قال ابن عباس: لأن من حضر أجله مات أو قتل.
﴿وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا﴾ [الأحزاب: ١٦] لا تمتعون بعد الفرار في الدنيا إلا مدة آجالكم.
ثم أخبر أن ما قدر عليهم وأراده بهم لا يدفع عنهم بقوله: ﴿قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ١٧] يجيركم منه، ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا﴾ [الأحزاب: ١٧] هلاكا وهزيمة، ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ [الأحزاب: ١٧] خيرا، وهو النصر، وهذا كله أمر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخاطبهم بهذه الأشياء، ثم أخبر الله أنه لا قريب لهم ينفعهم، ولا ناصر ينصرهم من دون الله، يقول: ﴿وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب: ١٧].
قوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا {١٨﴾ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿١٩﴾ } [الأحزاب: ١٨-١٩] ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ﴾ [الأحزاب: ١٨] يقال: عاقه واعتاقه وعوقه إذا صرفه عن الوجه الذي يريده.
قال المفسرون: هؤلاء قوم من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أنهم قالوا لهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وحزبه، فخلوهم وتعالوا إلينا.
وهو قوله: ﴿وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ﴾ [الأحزاب: ١٨] لا يحضرون القتال في سبيل الله، إلا قليلا إلا رياء وسمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا.
أشحة عليكم بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة، والمعنى: لا ينصرونكم، ثم أخبر عن جبنهم، فقال: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ١٩] أي: كعين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي قرب حاله من الموت وغشيته أسبابه، فيذهب ويذهب عقله، ويشخص بصره، فلا يطرف، كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم وتحار أعينهم لما يلحقهم من الخوف، ويقال للميت إذا شخص بصره: دارت عينه ودارت حماليق عينه، ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ﴾ [الأحزاب: ١٩] وجاء الأمن والغنيمة، ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] قال الفراء: آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة سليطة ذربة، يقال: سلق فلانا بلسانه إذا أغلظ له في القول مجاهرا.
قال قتادة: بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة، يقولون: أعطونا أعطونا فلستم بأحق بها منا، فأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق، وأما عند القسمة فأشح قوم، وهو قوله: ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ [الأحزاب: ١٩] بخلاء بالغنيمة، يشاحون المؤمنين عند القسمة.
ثم أخبر أنهم غير


الصفحة التالية
Icon