يونس.
] لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة سبأ: ٤] أي: لتأتينكم الساعة ليجزي الذين آمنوا، ثم بين جزاء الفريقين، فقال: أولئك يعني الذين آمنوا، ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [سبأ: ٤] حسن، يعني في الجنة.
والذين سعوا مفسر في ﴿ [الحج،] أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [سورة سبأ: ٥] قرئ بالرفع على نعت العذاب، وبالخفض على نعت الرجز، والرجز العذاب، ذكرنا ذلك.
﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [سبأ: ٦] ويعلم الذين أوتوا العلم بالله، يعني مؤمني أهل الكتاب، وقال قتادة: يعني أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
﴿الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [سبأ: ٦] يعني القرآن، وهو الحق هو فضل عند المبصرين، كقوله: ﴿هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [النحل: ٩٥]، ويهدي يعني القرآن، إلى صراط دين، العزيز في ملكه، الحميد عند خلقه.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ {٧﴾ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ﴿٨﴾ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴿٩﴾ } [سبأ: ٧-٩] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [سبأ: ٧] يعني منكري البعث، قال بعضهم لبعض: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ﴾ [سبأ: ٧] يزعم أنكم تبعثون بعد أن تكونوا عظاما وترابا ورفاتا، وهو قوله: ﴿إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ٧] أي: فرقتم كل تفريق، وقطعتم كل تقطيع، والممزق ههنا مصدر بمعنى التمزيق، قال ابن عباس: إذا متم وبليتم.
وقال مقاتل: إذا تفرقتم في الأرض وذهبت الجلود والعظام وكنتم ترابا.
﴿إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧] أي: يجدد خلقكم بأن تبعثوا وتنشروا.
﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [سبأ: ٨] هذا أيضا من قول الكفار بعضهم لبعض، قالوا: أفترى محمد على الله كذبا حين زعم أنا نبعث بعد الموت، والألف في أفترى ألف الاستفهام، وهو استفهام تعجب وإنكار.
وقوله: ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [سبأ: ٨] يقولون: أيزعم كذبا أم به جنة؟ فرد الله عليهم، فقال: بل ليس الأمر على ما قالوا من الافتراء والجنون، ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ [سبأ: ٨] هؤلاء الذي لا يؤمنون بالبعث، في العذاب في الآخرة، والضلال البعيد من الحق في الدنيا.
ثم وعظهم ليعتبروا، فقال: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [سبأ: ٩] وذلك أن الإنسان حيث نظر رأى السماء والأرض قدامه وخلفه، وعن يمينه وعن شماله، والمعنى أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئت خسفت الأرض بهم، وإن شئت أسقطت عليهم قطعة من سمائي، وهو قوله: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [سبأ: ٩] وأدغم الكسائي وحده الفاء في الباء في قوله: ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ﴾ [سبأ: ٩] قال أبو علي الفارسي: وذلك غير جائز لأن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا، فانحدر الصوت إلى الفم حيث اتصلت بمخرج الثاء، ولهذا جاز إبدال الثاء بالفاء في نحو الحدث والجدف المقاربة بينهما، فلم يجز إدغامه في الباء، كما لا يجوز إدغام الباء فيه لزيادة صوت الفاء على صوت الباء.
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [سبأ: ٩] أي: فيما ترون من السماء والأرض، لآية تدل على قدرة الله على البعث وعلى ما يشاء من الخسف بهم، ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [سبأ: ٩] أياب إلى الله وحده، ورجع إلى طاعته، وتأمل ما خلق.


الصفحة التالية
Icon