﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ {١٠﴾ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿١١﴾ } [سبأ: ١٠-١١] قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا﴾ [سبأ: ١٠] يعني النبوة والكتاب وما أعطي من الملك في الدنيا، يا جبال أي: وقلنا يا جبال، أوبي معه سبحي معه، وكان إذا سبح داود سبحت الجبال معه، وقوله: والطير عطف على موضع الجبال، لأن كل منادي في موضع نصب.
قال ابن عباس: وكانت الطير تسبح معه إذا سبح.
﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠] حتى صار عنده مثل الشمع، وكان يأخذ بيده فيصير كأنه عجين، فكان يعمل به ما يشاء من غير نار ولا قرع.
وهو قوله: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ: ١١] دروعا كوامل يجرها لابسها على الأرض، قال قتادة: وكان أول من عملها، وإنما كانت قبله صفائح من الحديد.
﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ: ١١] والسرد: نسج الدروع، ومنه قيل لصانعها سراد وزراد، يبدل من السين زايا.
والمعنى: لا يجعل المسامير دقاقا فتفلق، ولا غلاظا فتكثر الحلق، هذا قول أهل التأويل.
٧٦٨ - أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْقُرَشِيُّ، فِيمَا أَجَازَ لِي، أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ زَكَرِيَّا، أنا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ الْقُرَشِيُّ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ قَالَ: لا تُدَقِّقِ الْمَسَامِيرَ، وَتُوَسِّعِ الْحَلْقَةَ فَتَقْسَى، وَلا تُغَلِّظِ الْمَسَامِيرَ، وَتُضَيِّقِ الْحَلْقَ فَيَنْقَصِمَ، اجْعَلْهُ قَدْرًا
قال مقاتل: ثم قال الله لآل داود: اعملوا صالحا قال ابن عباس: اشكروا الله بما هو أهله.
﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ: ١١].
ثم ذكر ابنه سليمان وما أعطاه من الخير والكرامة، فقال: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {١٢﴾ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴿١٣﴾ } [سبأ: ١٢-١٣] ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾ [سبأ: ١٢] قال الفراء: نصب الريح على وسخرنا لسليمان الريح، ورفع عاصم لما لم يظهر التسخير على معنى وله تسخير الريح، فالرفع يئول إلى معنى النصب، وقوله: ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢] أي: سير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر، ورواحها شهر.
والمعنى أنها كانت تسير في اليوم مسيرة شهرية للراكب.
قال الحسن: تعدو من دمشق فتقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم تروح من اصطخر فتبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر للمسرع.
﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ: ١٢] أذبنا له عين النحاس، قال المفسرون: أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء، وإنما يعمل الناس اليوم مما أعطي سليمان، والقطر النحاس الذائب، {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ