برغوث ولا عقرب، ويمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القمل فتموت كلها لطيب هوائها.
ورب غفور أي: والله رب غفور، قال مقاتل: وربكم إن شكرتم فيما رزقكم رب غفور للذنوب.
فأعرضوا عن الحق وكذبوا أنبياءهم، ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من الشحر وأودية اليمن، فردموا ما بين جبلين وحبسوا الماء في ذلك الردم ثلاثة أبواب، بعضها فوق بعض، وكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الثالث، فأخصبوا وكثرت أموالهم، فلما كذبوا رسولهم بعث الله تعالى جرذا ثقبت ذلك الردم حتى انتقض، فدخل الماء خيمهم فغرقها ودفن السيل بيوتهم، فذلك قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: ١٦] جمع عرمة، وهي السكر الذي يحبس الماء، وقال ابن الأعرابي: العرم السيل الذي لا يطاق.
وقال قتادة، ومقاتل: العرم اسم وادي سبأ.
وبدلناهم بجنتيهم اللتين يطعمان الفواكه، ﴿جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ [سبأ: ١٦] القراءة الجيدة بالإضافة لأن الخمط عند المفسرين اسم شجرة، قالوا: هو الأراك، وأكله جناه، وهو البريد.
قال أبو عبيدة: الخمط كل شجرة مرة ذات شوك.
قال الأخفش: الأحسن في مثل هذه الإضافة مثل دار حر وثوب خز.
وقال ابن الأعرابي: الخمط ثمر شجر يقال له فسوة الضيع على صورة الخشخاش ينفرك ولا ينتفع به.
وقال المبرد، والزجاج: يقال لكل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله: خمط.
وعلى هذا يحسن التنوين في أكل إذا جعلت الخمط اسما للمأكولات، والأثل شجرة تشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه، والسدر إذا كان بريا لا ينتفع به، ولا يصلح ورقه للمغسول، كما يكون ورق السدر الذي ينبت على الماء.
ومعنى قوله: ﴿وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ {١٦﴾ } [سبأ: ١٦-١٦] يعني أن الأثل والخمط كانا أكثر في الجنتين المبدلتين من السدر.
قال قتادة: كان شجر القوم من خير الشجر إذا صيره إليه من شر الشجر.
﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ [سبأ: ١٧] أي: جزيناهم ذلك التبديل لكفرهم، ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ﴾ [سبأ: ١٧] يعني أن المؤمن نكفر عنه ذنوبه بطاعاته، والكافر يجازي بكل سوء يعمله.
قال مقاتل: وهل يكافأ بعمله السيئ إلا الكفور لله في نعمه.
وقال الفراء: المؤمن يجزى ولا يجازي، أي: يجزى الثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته.
﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنْينَ {١٨﴾ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿١٩﴾ } [سبأ: ١٨-١٩] وقوله: وجعلنا بينهم عطف على قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ﴾ [سبأ: ١٥] يعني: وكان من قصتهم أنا جعلنا بينهم، ﴿وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [سبأ: ١٨] بالماء والشجر، وهي قرى الشام، قرى ظاهرة متواصلة، وكان متجرهم من أرض اليمن إلى الشام، وكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى حتى يرجعوا، وكانوا لا يحتاجون إلى زاد من وادي سبأ إلى الشام، ومعنى قوله: