وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿٢٠﴾ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴿٢١﴾ وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢٢﴾ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنَ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ ﴿٢٣﴾ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴿٢٤﴾ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿٢٥﴾ } [يس: ٢٠-٢٥] ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ [يس: ٢٠] وهو حبيب النجار، وكان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم، جاءهم و {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿٢٠﴾ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: ٢٠-٢١] لا يسئلونكم أموالكم على ما جاءكم به من الهدى، وهم مهتدون يعني الرسل، فلما قال هذا أخذوه فرفعوه إلى الملك، فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟ فقال: ﴿وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [يس: ٢٢] وأيّ شيء لي إذا لم أعبد خالقي، وإليه ترجعون تردون عند البعث فيجزيكم.
ثم أنكر اتخاذ الأصنام وعبادتها، فقال: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنَ بِضُرٍّ﴾ [يس: ٢٣] بسوء ومكروه، ﴿لا تُغْنِ عَنِّي﴾ [يس: ٢٣] لا ترفع ولا تمنع، شفاعتهم شيئا يعني لا شفاعة لها فتغني، ولا ينقذون ولا يخلصوني من ذلك المكروه.
﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٢٤] إن أنا فعلت ذلك.
﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [يس: ٢٥] الذي كفرتم به، فاسمعون فاسمعوا قولي، فلما قال هذا وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، قال ابن مسعود: وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره، فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزقه، وذلك قوله: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ {٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ } [يس: ٢٦-٢٩] ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ [يس: ٢٦] فلما دخلها، ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ {٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} [يس: ٢٦-٢٧] يعني أن يعلموا أن الله غفر له ليرغبوا في دين الرسل، والمعنى: بغفران ربي لي، وما مع الفعل بمنزلة المصدر، ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: ٢٧] من المدخلين الجنة.
فلما قتلوه غضب الله لقتلهم إياه غضبة لم تبق من القوم شيئا وعجل لهم العذاب، وهو قوله: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ﴾ [يس: ٢٨] يعني قوم حبيب، من بعده من بعد قتله، ﴿مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [يس: ٢٨] يعني الملائكة، أي: لم تستنصر منهم بجند من السماء، ﴿وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ [يس: ٢٨] أي: وما كنا ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم كالطوفان، والصاعقة، والريح.
ثم بين بما كانت عقوبتهم، فقال: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [يس: ٢٩] قال المفسرون: أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة فإذا هم ميتون، لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت.
وهو قوله: ﴿فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] أي: ساكتون قد ماتوا.
قوله: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ {٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ