وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿٥٩﴾ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٦٠﴾ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴿٦١﴾ } [الصافات: ٥٠-٦١] ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الصافات: ٥٠] يعني: أهل الجنة، يتساءلون يسأل هذا ذاك، وذاك هذا عن أحوالهم كانت في الدنيا، يدل على هذا ما ذكر الله عن بعضهم، أنه أخبر عن حال قرينه معه كيف كانت في الدنيا، وهو قوله: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ﴾ [الصافات: ٥١] يعني: من أهل الجنة، ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ [الصافات: ٥١] يعني: أخا له في الدنيا، كان ينكر البعث، وهو قوله: يقول أي: يقول لي: ﴿أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ [الصافات: ٥٢] بالبعث، ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات: ٥٣] مجزيون ومحاسبون؟ وهذا استفهام إنكار، ثم قال المؤمن لإخوانه في الجنة: ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصافات: ٥٤] إلى الناس لننظر كيف منزلة أخي، فقال أهل الجنة: إنك أعرف به منا، فاطلع أنت، فطلع فرأى أخاه ﴿فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥] في وسطها، قال الزجاج: وسواء كل شيء وسطه.
وقال له: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ [الصافات: ٥٦] قال مقاتل: والله لقد كدت أن تغويني فأنزل منزلتك.
والإرداء الإهلاك، ومن أغوى إنسانا فقد أهلكه.
﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي﴾ [الصافات: ٥٧] لولا إنعامه علي بالإسلام، ﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات: ٥٧] معك في النار.
قال الكلبي: ثم يؤتى بالموت فيذبح، فإذا أمن أهل الجنة الموت فرحوا وقالوا: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ {٥٨﴾ إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى} [الصافات: ٥٨-٥٩] التي كانت في الدنيا، ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الصافات: ٥٩] فقيل لهم: لا.
فعند ذلك قالوا: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الصافات: ٦٠] قال الله تعالى: لمثل هذا النعيم، يعني ما ذكره من قوله: ﴿لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ٤١] إلى قوله: بيض مكنون، فليعمل العاملون وهذا ترغيب في طلب ثواب الله بطاعته.
﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ {٦٢﴾ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ﴿٦٣﴾ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴿٦٤﴾ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴿٦٥﴾ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴿٦٦﴾ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ﴿٦٧﴾ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ ﴿٦٨﴾ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ ﴿٦٩﴾ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴿٧٠﴾ } [الصافات: ٦٢-٧٠] قوله: أذلك الذي ذكره، خير نزلا قال الزجاج: أذلك خير في باب الأنزال التي يتقوت بها، أم نزل أهل النار؟ وهو قوله: ﴿أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ [الصافات: ٦٢] وهو ما يكره تناوله، والذي أراد الله هو شيء مر كريه يكره تناوله، وأهل النار يكرهون على تناوله، فهم يتزقمونه على أشد كراهة.
قال قتادة: لما ذكر الله هذه الشجرة بها الظلمة، فقالوا: كيف تكون في النار شجرة والنار تأكلها؟ فأنزل الله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ﴾ [الصافات: ٦٣].
قال الزجاج: خبره لهم افتتنوا بها وكذبوا بكونها.
﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٦٤] قال الحسن: أصلها في قعر جهنم، وأعضاؤها ترفع إلى دركاتها.
طلعها ثمرها، ﴿كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ [الصافات: ٦٥] لقبحه، والشياطين موصوفة بالقبح وإن كانت لا ترى، والشيء إذا استقبح شبه بها، فيقال: كأنه شيطان.
﴿فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا﴾ [الصافات: ٦٦] أي ثمرها، ﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾ [الصافات: ٦٦] وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم.
﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا﴾ [الصافات: ٦٧] لخلطا ومزاجا، من حميم يعني أنهم إذا أكلوا الزقوم شربوا عليها الحميم، وهو الماء الحار، فيشوب الحميم في بطونهم الزقوم، فيصير شوبا.
﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ﴾ [الصافات: ٦٨] بعد شرب الحميم وأكل الزقوم، لإلى الجحيم وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم،