وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} [النحل: ٢٤] لهؤلاء المنكرين، ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ [النحل: ٢٤] ما الذي أنزل ربكم على محمد؟ ﴿قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] أي: الذي يذكرون أنه منزل أساطير الأولين، أي: أكاذيبهم وما سطروه في كتبهم من الأخبار والقصص.
ليحملوا أوزارهم هذه لام العاقبة، لأنهم لم يقولوا للقرآن: أساطير الأولين ليحملوا الأوزار، ولكن لما كانت عاقبتهم ذلك جاز أن يقال: فعلوا ذلك له، كقوله ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨].
وقوله: ﴿كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [النحل: ٢٥] لأنهم لم يكفر عنهم شيء من ذنوبهم بما يصيبهم في الدنيا من نكبة وبلية كما يكفر عن المؤمنين ومن أوزار الذين يضلونهم لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضلال، فحمل عليهم من أوزار من اتبعهم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أيما داع دعا إلى ضلالة، فاتبع، كان عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
وقوله: بغير علم يعني أنهم يفعلون ذلك جهلا منهم بما يكتسبون من أوزارهم، ومثل أوزار من اتبعهم، ثم ذم صنيعهم، فقال: ﴿أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥] بئس ما حملوا على ظهورهم.
قوله: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] يعني نمرود بن كنعان، بنى صرحا طويلا ورام منه الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه، ومعنى المكر ههنا التدبير الفاسد، قوله: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ﴾ [النحل: ٢٦] أي: أتى أمر الله، وهو الريح التي خربتها وحركتها، وقال المفسرون: أرسل الله ريحا، فألقت رأس الصرح في البحر، وخر عليهم الباقي.
وقوله: من القواعد قال الزجاج: من أساطير البناء التي تعمده.
﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] سقط أعلى البيوت على أصحاب نمرود، ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٢٦] من حيث ظنوا أنهم في أمان منه.
﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧] يذلهم ويهينهم بالعذاب، ﴿وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ﴾ [النحل: ٢٧] قال الزجاج: هذه حكاية لقولهم، والله لا شريك له.
والمعنى: أين الذين في دعواكم أنهم شركائي؟ أي: أين هم لا يحضرونكم فيدفعوا عنكم العذاب؟ ﴿الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧] تخالفون المسلمين فيهم فتعبدونهم وهم يعبدون الله، وقرأ نافع بكسر النون أراد تشاقونني، فحذف إحدى النونين كما ذكرنا في قوله: فبم تبشرون، والمعنى: تنازعونني فيهم وتتخذونهم أولياء من دوني، ومعنى مخالفتهم الله في الشركاء: مخالفتهم أمر الله لأجلها، ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [النحل: ٢٧] قال ابن عباس: يريد الملائكة.
وقال غيره: هم المؤمنون، يقولون حين يرون خزي الكفار يوم القيامة.
﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ﴾ [النحل: ٢٧] أي: الفضيحة والعذاب، على


الصفحة التالية
Icon