من القوم أحدا، أي ما تركت.
وقال الفراء: تقول العرب: أفرطت من القوم ناسا، أي خلقتهم ونسيتهم.
وقال قتادة: معجلون إلى النار، يقال: أفرط القوم الفارط إذا قدموا إلى الماء ليصلح لهم شأنهم.
وهذا اختيار الزجاج، قال: معنى مفرطون مقدمون إلى النار.
وقرأ نافع بكسر الراء على معنى أنهم أفرطوا في الذنوب فكانوا مفرطين على أنفسهم في معصية الله، وقال ابن عباس: أفرطوا في الافتراء على الله.
قوله: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النحل: ٦٣] قال ابن عباس يعزي نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا.
يقول: لقد أرسلنا إلى أمم، يعني رسلا وأنبياء من قبلك، فزين لهم الشيطان حتى عصوا وكذبوهم، ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ﴾ [النحل: ٦٣] يعني يوم القيامة، يقول: فهو ولي أولئك الذين زين لهم سوء أعمالهم يوم القيامة، ومن كان الشيطان وليه ذلك اليوم دخل النار.
﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [النحل: ٦٤] يعني القرآن وما فيه من أخبار الأمم الماضية، ﴿إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [النحل: ٦٤] إلا لتبين لهؤلاء الكفار ما اختلف فيه الأمم من الدين والأحكام، فذهبوا فيه إلى خلاف ما ذهب إليه المسلمون، فتقوم الحجة عليهم بدعائك وبيانك، وهدى ورحمة وللهدى والرحمة، لقوم يؤمنون.
وما بعده ظاهر إلى قوله: ﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {٦٥﴾ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴿٦٦﴾ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿٦٧﴾ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴿٦٨﴾ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٦٩﴾ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴿٧٠﴾ } [النحل: ٦٥-٧٠] ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ﴾ [النحل: ٦٦] يعني الإبل والبقرة والغنم، لعبرة لدلالة على قدرة الله، ثم ذكرها، فقال: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] من فتح النون فحجته ظاهرة لأنه يقال: سقيته ماء ولبنا، وما كان للشفة فهو بفتح