قلت له قولًا يفقهه عنك، ويخفى على غيره.
ولحن القارئ فيما قرأ إذا ترك الإعراب الصواب وعدل عنه، قال المفسرون: ولتعرفنهم في فحوى القول ومعناه، ومقصده، ومغزاه، وما يعرضون به من تهجين أمرك، وأمر المسلمين والاستهزاء بهم.
وكان بعد هذا لا يتكلم منافق عنده إلا عرفه بكلامه لما نبهه الله على ذلك بقوله: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: ٣٠] استدل بفحوى كلامهم على فساد دخيلتهم.
ولنبلونكم ولنعاملنكم معاملة المختبر، بأن نأمركم بالقتال والجهاد، حتى يتبين المجاهد، والصابر على دينه، من غيره وهو قوله: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد: ٣١] أي: العلم الذي هو علم وجود، وهو الذي يقع به الجزاء، ﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: ٣١] أي: نظهرها، ونكشفها، بإباء من يأبى القتال، ولا يصبر على الجهاد.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [محمد: ٣٢] يعني: قريظة والنضير، ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ [محمد: ٣٢] بما بين لهم في التوراة، ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ [محمد: ٣٢] إنما يضرون أنفسهم، بتركهم الهدى، وسيحبط الله أعمالهم، فلا يرون لها في الآخرة ثوابًا.
﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {٣٣﴾ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴿٣٤﴾ } [محمد: ٣٣-٣٤].
قوله: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [محمد: ٣٣] إلى قوله: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣] قال عطاء: بالشك والنفاق.
وقال الكلبي: بالرياء، والسمعة.
وقال الحسن: بالمعاصي والكبائر.
وقال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرون أنه لا يضر مع الإخلاص لله ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال.
ثم قال للمسلمين: ﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ {٣٥﴾ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ﴿٣٦﴾ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ﴿٣٧﴾ هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴿٣٨﴾ } [محمد: ٣٥-٣٨].